مِنْ ذَبْحٍ أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا حَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] فَالْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ: يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣] وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] وَالْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ الْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] وَالْإِجْمَاعُ قَامَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفِسْقٍ (وَيُصَلِّي) وَيُسَلِّمُ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ (وَلَا يَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ لِإِبْهَامِهِ لِلتَّشْرِيكِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الذَّبْحِ وَالْيَمِينِ بِاسْمِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةِ مَخْلُوقٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى جَوَازَهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إذْ الْمَكْرُوهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ عَنْهُ.
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ: أَيْ شَيْءٍ لَهُ حَدٌّ (يَجْرَحُ) إذْ هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ وَهُوَ صِفَةٌ وَمَفْهُومُهَا مُعْتَبَرٌ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (كَحَدِيدٍ) أَيْ كَمُحَدَّدِ حَدِيدٍ (وَنُحَاسٍ) وَرَصَاصٍ (وَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ (وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا) أَيْ التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ) أَيْ ذَلِكَ وَالْمَذْبُوحُ حَلَالٌ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ حَرُمَ: أَيْ هَذَا الْقَوْلُ وَإِلَّا فَيَحِلُّ أَكْلُ الذَّبِيحَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
[فَائِدَةٌ] يَكْفِي الذَّبْحُ بِالْمُدْيَةِ الْمَسْمُومَةِ فَإِنَّ السُّمَّ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ مَعَ الْقَطْعِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْحِلِّ فِيمَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ وَبُنْدُقٍ مَثَلًا، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ السَّهْمِ مَعَ الْبُنْدُقَةِ يُؤَثِّرُ فِي الْقَتْلِ ظَاهِرًا مَا لَا يُؤَثِّرُهُ السَّهْمُ وَحْدَهُ، فَكَانَ لِلْبُنْدُقَةِ مَعَ السَّهْمِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي الْقَتْلِ، وَلَا كَذَلِكَ السُّمُّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ عَادَةً بَعْدَ سَرَيَانِهِ فِي الْجَسَدِ لَا بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، وَالْقَطْعُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ بِمُبَاشَرَةِ السِّكِّينِ مُؤَثِّرٌ لِلزَّهُوقِ حَالًا فَلَا يُنْسَبُ تَأْثِيرٌ لِلسُّمِّ.
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَاللَّبَّةُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمُحَدَّدِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مَا لَوْ ذَبَحَ بِخَيْطٍ يُؤَثِّرُ مُرُورُهُ عَلَى حَلْقِ نَحْوِ الْعُصْفُورِ قَطَعَهُ كَتَأَثُّرِ السِّكِّينِ فِيهِ فَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَنُحَاسٍ) أَيْ وَكَمُحَدَّدِ نُحَاسٍ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ) لَعَلَّ هُنَا سَقْطًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ لِلْأُضْحِيَّةِ وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ) أَيْ الْقَوْلُ لَا الْمَذْبُوحُ
[فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ]
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ إذْ غَايَةُ مَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى تَقْرِيرِهِ الْآتِي أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمُحَدَّدِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَمِقْدَارٌ آخَرُ لَا يُفِيدُهُ الْمَتْنُ قَطْعًا، وَعِبَارَتُهُ هُنَا غَيْرُ عِبَارَتِهِ فِي الرَّوْضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute