للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ صَخْرَةً وَقَالَ.

أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي.

وَقَضِيَّتُهُ نَدْبُ عِظَمِ الْحَجَرِ وَمِثْلُهُ نَحْوُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ مَعْرِفَةُ قَبْرِ الْمَيِّتِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا يَثْبُتُ كَذَلِكَ إلَّا الْعَظِيمُ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا

(وَ) يُنْدَبُ (جَمْعُ الْأَقَارِبِ) لِلْمَيِّتِ (فِي مَوْضِعٍ) وَاحِدٍ لِلِاتِّبَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُ الْأَزْوَاجِ وَالْعُتَقَاءِ وَالْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُمْ الْأَصْدِقَاءُ، وَيُقَدَّمُ الْأَبُ نَدْبًا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

(وَ) يُنْدَبُ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ) أَيْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ (لِلرِّجَالِ) لِخَبَرِ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» ، وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ مَا تَيَسَّرَ، وَيَدْعُوَ لَهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالْأَجْرُ لَهُ وَلِلْمَيِّتِ كَمَا سَيَأْتِي بِتَفْصِيلِهِ فِي الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي تَحْرِيمِهَا، (وَتُكْرَهُ) زِيَارَتُهَا (لِلنِّسَاءِ) وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى لِجَزَعِهِنَّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِنَّ لِخَبَرِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت «كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إذَا زَارَتْ الْقُبُورَ قَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» (وَقِيلَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِأَخْذِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَتَعَلَّمُ بِهَا) أَيْ أَجْعَلُهَا عَلَامَةً عَلَيْهِ أَعْرِفُهُ بِهَا، وَقَوْلُهُ قَبْرَ أَخِي: أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الِاتِّبَاعِ حَجّ

أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَرِدْ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ تَمْيِيزًا يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِينَ) أَيْ وَأَرْوَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ حَجّ

(قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) أَيْ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الزَّائِرُ عَلَى طَهَارَةٍ: أَيْ وَيَتَأَكَّدُ نَدْبُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ خُصُوصًا الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَانَ يَعْرِفُهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فِيهِمَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَوْقَاتِ الَّتِي اُعْتِيدَتْ الزِّيَارَةُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْمُسْلِمِ حَقَّهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ قُوَّةً بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ عَلَى الرَّدِّ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ (قَوْلُهُ أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ حَجّ: أَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَلَا يُسَنُّ زِيَارَتُهَا بَلْ قِيلَ تَحْرُمُ وَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ قَرِيبٍ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي اتِّبَاعِ جِنَازَتِهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي تَحْرِيمِهَا) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ نَصُّهَا: أَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَلَا يُنْدَبُ زِيَارَتُهَا وَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ.

نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مُطْلَقًا، وَيَسْتَوِي فِيهَا جَمِيعُ الْقُبُورِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ: لَكِنْ لَا يُشْرَعُ فِيهَا قَصْدُ قَبْرٍ بِعَيْنِهِ.

[فَرْعٌ] اعْتَادَ النَّاسُ زِيَارَةَ الْقُبُورِ صَبِيحَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَحْضُرُ الْقُبُورَ مِنْ عَصْرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْأَصْوَبُ هُوَ بَعِيدٌ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ

(قَوْلُهُ: لِلْمَيِّتِ) بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ، إذْ الْمُرَادُ نَدْبُ جَمْعِ الْأَقَارِبِ الْأَمْوَاتِ فِي مَوْضِعٍ

[زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ]

(قَوْلُهُ: كَانَ يَعْرِفُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَتَأَتَّى مَجْمُوعُ قَوْلِهِ إلَّا عَرَفَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ: أَيْ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَلَا يَعْرِفُهُ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهُ قَبْلُ (قَوْلُهُ أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ) يُنَاقِضُهُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ جَازِمًا بِهِ مِنْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فِي قَبْرِ الْقَرِيبِ الْكَافِرِ وَغَيْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>