أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا نَقْلَ فِيهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَمْسَحَ لِأَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ الْأَوْجَهُ إنْ اغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ فَهِيَ كَغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَابِسَتَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ تَمْسَحْ، وَالْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ لَا يَمْسَحُ شَيْئًا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ لِأَنَّ طُهْرَهُ لِضَرُورَةٍ وَقَدْ زَالَ بِزَوَالِهَا، وَمِثْلُهُ كُلٌّ مِنْ دَائِمُ الْحَدَثِ وَالْمُتَيَمِّمُ لِغَيْرِ فَقْدِ الْمَاءِ إذَا زَالَ عُذْرُهُ.
وَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ (مِنْ) تَمَامِ (الْحَدَثِ) أَيْ الْأَصْغَرِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (بَعْدَ لِبْسٍ) لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ يَدْخُلُ بِذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ فِيهَا لِمَا يَشَاءُ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إذْ قَبْلَهُ لَا يُتَصَوَّرُ جَوَازُ إسْنَادِ الصَّلَاةِ إلَى الْمَسْحِ، وَلَا مَعْنَى لِوَقْتِ الْعِبَادَةِ سِوَى الزَّمَانِ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهَا فِيهِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِهَاءِ الْحَدَثِ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ اسْتِمْرَارِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ وَمِثْلُهُ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ، وَيَجُوزُ لِلَابِسِ الْخُفِّ أَنْ يُجَدِّدَ الْوُضُوءَ قَبْلَ حَدَثِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ حَدَثِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ كَانَ ابْتِدَاءُ مُدَّتِهِ مِنْ حَدَثِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ، وَلَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
نَزْعِ الْخُفِّ وَغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ لِوُجُوبِهَا فِي وُضُوءِ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَالْمَسْحُ لَمَّا كَانَ قَائِمًا مَقَامَ الْغَسْلِ اُغْتُفِرَتْ مُدَّتُهُ فَلَا تُعَدُّ فَاصِلَةً بَيْنَ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْغَسْلِ بَعْدَ نَزْعِ الْخُفِّ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ) مُحْتَرَزُ مَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ دَائِمُ الْحَدَثِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُتَحَيِّرَةَ (قَوْلُهُ: فَهِيَ كَغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ دَائِمِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ) أَيْ إذَا تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِمَرَضٍ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَنُكْرِ الطُّهْرِ لِيَشْمَلَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ لِلْأَصْغَرِ، أَمَّا الْأَكْبَرُ وَحْدَهُ بِأَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ فَلَا تَدْخُلُ بِهِ الْمُدَّةُ لِبَقَاءِ طُهْرِهِ، فَإِذَا أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ دَخَلَتْ الْمُدَّةُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ قَبْلَ دُخُولِ الْمُدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ إذَا أَرَادَهُ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ مَا يُبْطِلُ الْمُدَّةَ بَعْدَ دُخُولِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَبْطَلَهَا، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ التَّجْدِيدِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ جَوَازُهُ بَلْ سَنَّهُ، فَالْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَقْتُ الْمَسْحِ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ.
[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اُبْتُلِيَ بِالنُّقْطَةِ، وَصَارَ زَمَنُ اسْتِبْرَائِهِ مِنْهَا يَأْخُذُ زَمَنًا طَوِيلًا، هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ فَرَاغِ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ آخِرِ الِاسْتِبْرَاءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِيَأْمَنَ عَوْدَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَحَيْثُ انْقَطَعَ دَخَلَ وَقْتُ الْمَسْحِ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَوْدِهِ لَوْ تَوَضَّأَ فِي زَمَنِ انْقِطَاعِهِ صَحَّ وُضُوءُهُ، نَعَمْ لَوْ فُرِضَ اتِّصَالُهُ حَسَبَ مِنْ آخِرِهِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ يَدْخُلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ النَّوْمِ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا جَنَّ بَعْدَ لِبْسِ الْخُفَّيْنِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ لَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ إلَّا مِنْ الْإِفَاقَةِ أَوْ حَدَثٍ آخَرَ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ آخِرُهُ وَلَوْ نَوْمًا أَوْ مَسًّا أَوْ لَمْسًا عِنْدَ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ حَجّ، وَمِنْ آخِرِهِ إنْ كَانَ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا أَوْ رِيحًا أَوْ جُنُونًا أَوْ إغْمَاءً، وَمِنْ أَوَّلِهِ إنْ كَانَ نَوْمًا أَوْ مَسًّا أَوْ لَمْسًا عِنْدَ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيِّ فِي النَّوْمِ فَأَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا وَقَاسَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الْمَسَّ وَاللَّمْسَ، وَاخْتَلَفَ الْكَلَامُ عَنْهُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ انْتَهَى عَلَى مَحَلِّيٍّ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ تَقَارَنَ اللَّمْسُ وَخُرُوجُ الْخَارِجِ هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ انْتِهَاءِ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ كَانَ قَاطِعًا لِلْمُدَّةِ، بَلْ لَوْ سَبَقَ ابْتِدَاءَ خُرُوجِ الْبَوْلِ مَثَلًا وَوُجِدَ اللَّمْسُ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
[مَتَى تَبْدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ) أَيْ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ الْمُسْتَنِدُ إلَيْهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي