شَمْسِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ (لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ شَوَّالًا قَدْ دَخَلَ يَقِينًا وَصَوْمُ ثَلَاثِينَ قَدْ تَمَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا نَقْبَلُهَا وَنُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ أَدَاءً، وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحُّونَ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ هُوَ وَإِنْ كَانَ الْعَاشِرَ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَعَرَفَةُ يَوْمَ يَعْرِفُونَ» . قَالَ الشَّيْخُ: وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ بَقِيَ مَا يَسَعُهَا، أَوْ رَكْعَةٌ مِنْهَا دُونَ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ، أَوْ بِمَنْ تَيَسَّرَ حُضُورُهُ لِتَقَعَ أَدَاءً، ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّاسِ، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَلَعَلَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَحَلُّ إعَادَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ بَقِيَ وَقْتُهَا، إذْ الْعِيدُ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَسُومِحَ فِيهِ بِذَلِكَ، أَمَّا الْحُقُوقُ وَالْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْهِلَالِ كَالتَّعْلِيقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ فَتَثْبُتُ قَطْعًا (أَوْ) شَهِدُوا (بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ) ، أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِيدِ، أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا كَمَا مَرَّ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ (وَأَفْطَرْنَا) وُجُوبًا (وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ) أَدَاءً (وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ) مُرِيدُهُ فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَفِي الْغَدِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى اتَّفَقَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَبَقِيَّةِ الرَّوَاتِبِ، وَالْأَكْمَلُ قَضَاؤُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَضَاؤُهَا فِي الْغَدِ أَكْمَلُ لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى النَّاسِ الْحُضُورُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ لَا فِي صَلَاةِ الْآحَادِ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا عَاجِلًا مَعَ تَيَسُّرٍ وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا، ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مَعَ الْإِمَامِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَهْرِ الْعِيدِ، وَنُصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا وَإِنْ دَخَلَتْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ، وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ ذَلِكَ هُنَا بِدَلِيلٍ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَقِيلَ فِي قَوْلٍ) لَا تَفُوتُ بَلْ (تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ الْغَلَطُ فِي الْهِلَالِ فَلَا يَفُوتُ بِهِ هَذَا الشِّعَارُ الْعَظِيمُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّعْدِيلُ لَا الشَّهَادَةُ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعُدِّلَا بَعْدَهُ فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا فَتُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً، وَلَا يُنَافِيهِ مَا لَوْ شَهِدَا بِحَقٍّ وَعُدِّلَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا حَيْثُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا، إذْ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ بِشَهَادَتِهِمَا بِشَرْطِ تَعْدِيلِهِمَا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَثَرِ الْحُكْمِ مِنْ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَأَيْضًا فَالصَّلَاةُ تُفْعَلُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ لَوْ لَمْ تُنْظَرْ لِلشَّهَادَةِ لَلَزِمَ فَوَاتُ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ، وَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ اهـ.
وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ عَصْرِهِ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي يَوْمِ الْعِيدِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّاسِ اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا لَيْلًا لَا مُنْفَرِدًا وَلَا فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ فِعْلِهَا لَيْلًا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا مَعَ النَّاسِ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى مَنْهَجٍ اسْتَشْكَلَ تَأْخِيرَهَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت الْإِسْنَوِيَّ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَنَقَلَ كَلَامَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ كَالتَّعْلِيقِ وَالْعِدَّةِ) قَالَ عَمِيرَةُ: زَادَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَجَوَازِ التَّضْحِيَةِ وَوُجُوبِ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغَدِ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ صَوْمِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اهـ.
سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا) لَا يُقَالُ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْغَرَضُ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ ثُمَّ بَيَانُ اسْتِحْبَابِهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مَعَ الْإِمَامِ) فَرْضُ الْكَلَامِ فِيمَا لَوْ أَدْرَكَ فِي وَقْتِهَا رَكْعَةً وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا ذَلِكَ لَا يَكُونُ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ فِعْلَهَا مُنْفَرِدًا ثُمَّ مَعَ الْجَمَاعَةِ، بَلْ الْأَكْمَلُ تَأْخِيرُهَا لِيَفْعَلَهَا جَمَاعَةً.
(قَوْلُهُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَبِيرًا
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ بَقِيَ مَا يَسَعُهَا) أَيْ فِيمَا لَوْ شَهِدَ قَبْلَ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّاسِ) أَيْ بَعْدَ الزَّوَالِ قَضَاءً كَمَا يَأْتِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute