الْكَافُ فِيهِ اسْتِقْصَائِيَّةً.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، وَقَدْ يُقَالُ عُلُومُ الشَّرْعِ قَدْ يُرَادُ بِهَا تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ، وَهِيَ عُرْفُهُمْ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا هِيَ وَآلَتِهَا وَهِيَ عُرْفُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْهَا هَذَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ فَرْضَ الْكُلِّ كِفَايَةٌ
(وَالْأَمْرُ) بِيَدِهِ فَلِسَانِهِ فَقَلْبِهِ وَلَوْ فَاسِقًا (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ الْوَاجِبِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) أَيْ الْمُحَرَّمِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي وَاجِبٍ أَوْ حَرَامٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، أَوْ اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ إذْ لَهُ مَنْعُ زَوْجَتِهِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ شَافِعِيًّا، وَالْقَاضِي إذْ الْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِهِ كَمَا يَأْتِي وَمُقَلِّدُ مَنْ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمُنْكِرُ إبَاحَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ بِالنِّسْبَةِ لِفَاعِلِهِ بِاعْتِبَارِ عَقِيدَتِهِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى عَامِّيٍّ يَجْهَلُ حُكْمَ مَا رَآهُ إنْكَارٌ حَتَّى يُخْبِرَهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُحَرَّمٌ فِي اعْتِقَادِ فَاعِلِهِ، وَلَا لِعَالِمٍ إنْكَارُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ فَاعِلِهِ اعْتِقَادَ تَحْرِيمِهِ لَهُ حَالَةَ ارْتِكَابِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِحِلِّهِ أَوْ جَاهِلٌ بِحُرْمَتِهِ؛ أَمَّا مَنْ ارْتَكَبَ مَا يَرَى إبَاحَتَهُ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ فَلَا يَحِلُّ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَوْ نُدِبَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِرِفْقٍ فَحَسَنٌ، وَإِنَّمَا حَدَّ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا شَرِبَ نَبِيذًا يَرَى حِلَّهُ لِضَعْفِ أَدِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ بَعْدَ الرَّفْعِ بِعَقِيدَةِ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَلَمْ نُرَاعِ ذَلِكَ فِي ذِمِّيٍّ رُفِعَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ تَأَلُّفِهِ لِقَبُولِ الْجِزْيَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ، أَمَّا هُوَ فَيُنْكِرُ وُجُوبًا عَلَى مَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَلَوْ سُنَّةً كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْأَذَانِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِهِمَا، وَلَكِنْ لَوْ اُحْتِيجَ فِي إنْكَارِ ذَلِكَ لِقِتَالٍ لَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْبَحْثُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَرْضُ كِفَايَةِ الْإِفْتَاءِ (قَوْلُهُ: اسْتِقْصَائِيَّةٍ) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ فَرْدٌ آخَرُ
(قَوْلُهُ: فَلِسَانُهُ) قِيَاسُ دَفْعِ الصَّائِلِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْيَدِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) ع: فِي الْحَدِيثِ «إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعَذَابِهِ» اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُهُ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ: أَيْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ظُلْمِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْشَكَ: أَيْ قَارَبَ (قَوْلُهُ: مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ) مُطْلَقًا مُسْكِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَالْقَاضِي) أَيْ وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْقَاضِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُقَلِّدُ) أَيْ وَلِغَيْرِ مُقَلِّدٍ مِنْ إلَخْ، فَاعْتِقَادُهُ الْحِلَّ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَاهِلٌ) أَيْ لَكِنَّهُ يُرْشِدُهُ بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْحُكْمَ وَيَطْلُبَ فِعْلَهُ مِنْهُ بِلُطْفٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ ارْتَكَبَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَمُقَلِّدُ مَنْ لَا يَجُوزُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ نُدِبَ) أَيْ طُلِبَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ نُرَاعِ ذَلِكَ) أَيْ فَنَحُدُّهُ بَلْ امْتَنَعَ عَلَيْنَا حَدُّهُ.
(قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ) أَيْ مَنْ وَلِيَ الْحِسْبَةَ وَهِيَ الْإِنْكَارُ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى فِعْلِ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، وَيُقَالُ احْتَسَبَ عَلَى فُلَانٍ كَذَا: أَيْ أَنْكَرَهُ، وَمِنْهُ مُحْتَسِبُ الْبَلَدِ وَاحْتَسَبَ بِكَذَا: اعْتَدَّ بِهِ وَأَرَادَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَنَةً) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِصَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.
قَالَ طب: وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ دُونَ بَقِيَّةِ السُّنَنِ وَوَافَقَهُ م ر اهـ. وَقَوْلُهُ دُونَ بَقِيَّةِ السُّنَنِ: أَيْ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا عَيْنَ
[حاشية الرشيدي]
وَصَوَّبَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَأَطَالَ فِي تَوْجِيهِهِ بِمَا يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَتِهِ
(قَوْلُهُ: بِيَدِهِ فَلِسَانِهِ فَقَلْبِهِ) هَذَا إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْأَمْرِ بِالْيَدِ أَوْ الْقَلْبِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِ تَصَوُّرِهِ فَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِيهِ مُشْكِلٌ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ قَاسِمٍ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ عَلَى زَوْجَتِهِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ إذْ لَهُ إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَحِقَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا لِعَالَمٍ) الْمُنَاسِبُ وَعَلَى عَالِمٍ (قَوْلُهُ: وَجَاهِلٍ تَحْرِيمَهُ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ جَهْلَ التَّحْرِيمِ مِنْ الْفَاعِلِ مَانِعٌ مِنْ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِإِنْكَارٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَذِيَّةٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ نُدِبَ) الْمُرَادُ هُنَا بِالنَّدْبِ الطَّلَبُ وَالدُّعَاءُ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ لَا النَّدْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute