للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْبَعَةً وَلِهَذَا سُمِّيَتْ هَدّه الْكَيْفِيَّةِ بِالتَّرْبِيعِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَرْبَعَةُ عَنْهَا حَمَلَهَا سِتَّةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَحْمِلُ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَوْ يُزَادُ أَعْمِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَحْتَ الْجِنَازَةِ كَمَا فُعِلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ.

وَأَمَّا الصَّغِيرُ، فَإِنْ حَمَلَهُ وَاحِدٌ جَازَ لِعَدَمِ الْإِزْرَاءِ فِيهِ، وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْمُقَدَّمَ عَلَى كَتِفِهِ ثُمَّ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُؤَخَّرَ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَيَأْخُذُ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ أَوْ يَحْمِلُهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمَ عَلَى كَتِفِهِ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّهُ جَعَلَ حَمْلَ الْمُقَدَّمِ عَلَى كَتِفِهِ مُؤَخَّرًا وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مُؤَنَّثٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ) أَيْ سِمَنِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا) وَإِنَّمَا طَلَبَ هَذَا دُونَ مَجِيئِهِ مِنْ خَلْفِهَا؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ أَقْرَبُ لِكَوْنِهِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

[فَائِدَةٌ] سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَادِ عَنْ وُقُوفِ الْجِنَازَةِ وَرُجُوعِهَا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ مَتَى كَثُرَتْ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ يَدَيْهَا رَجَعَتْ أَوْ وَقَفَتْ، وَمَتَى كَثُرَتْ خَلْفَهَا أَسْرَعَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلَوْمِ النَّفْسِ لِلْجَسَدِ وَلَوْمُ الْجَسَدِ لِلنَّفْسِ يَخْتَلِفُ حَالُهَا تَارَةً تُقَدِّمُ وَتَارَةً تُؤَخِّرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا فِي حَالِ رُجُوعِهَا لِيَتِمَّ أَجَلُ بَقَائِهَا فِي الدُّنْيَا، وَسُئِلَ عَنْ خِفَّةِ الْجِنَازَةِ وَثِقَلِهَا فَقَالَ: إذَا خَفَّتْ فَصَاحِبُهَا شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ وَالْحَيُّ أَخَفُّ مِنْ الْمَيِّتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي طَبَقَاتِهِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّامِيُّ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي قَتْلِ أَبِي جَابِرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقُتِلَ أَبُو جَابِرٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ حَرَامٍ بِالرَّاءِ، قَالَ ابْنُهُ جَابِرٍ: كَانَ أَبِي أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، وَقَدْ حَمَلَتْهُ أُخْتُهُ هِنْدٌ هِيَ وَزَوْجُهَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَابْنُهَا خَلَّادٌ عَلَى بَعِيرٍ وَرَجَعَتْ بِهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهَا عَائِشَةُ وَقَالَتْ لَهَا: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَتْ: أَخِي وَابْنِي خَلَّادٌ وَزَوْجِي عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهِمْ؟ قَالَتْ: إلَى الْمَدِينَةِ أُقْبِرُهُمْ فِيهَا، ثُمَّ زَجَرَتْ بَعِيرَهَا فَبَرَكَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: لِمَا عَلَيْهِ: أَيْ بَرَكَ لِثِقَلِ مَا عَلَيْهِ، قَالَتْ: مَا ذَاكَ بِهِ فَإِنَّهُ لَرُبَّمَا حَمَلَ مَا يَحْمِلُ بَعِيرَانِ وَلَكِنْ أَرَاهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَزَجَرَتْهُ ثَانِيًا فَقَامَ وَبَرَكَ، فَوَجَّهَتْهُ رَاجِعَةً إلَى أُحُدٍ فَأَسْرَعَ، فَرَجَعَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ الْجَمَلَ مَأْمُورٌ، هَلْ قَالَ عَمْرٌو شَيْئًا؟ قَالَتْ: إنَّهُ لَمَّا تَوَجَّهَ إلَى أُحُدٍ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَرُدَّنِي إلَى أَهْلِي وَارْزُقْنِي الشَّهَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِذَلِكَ الْجَمَلُ لَا يَمْضِي، إنَّ فِيكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَلَقَدْ رَأَيْته يَطَأُ بِعَرْجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ اهـ مُلَخَّصًا.

وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي عَدَمِ سَيْرِ الْجَمَلِ إلَى الْمَدِينَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلِذَلِكَ الْجَمَلُ لَا يَمْضِي، أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ نَزَلَ الْأَمْرُ بِدَفْنِهِمْ ثَمَّةَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ أَهْلُ الْقَتْلَى أَخْذَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيَهُ فَنَادَى رُدُّوا الْقَتْلَى إلَى مَضَاجِعِهِمْ (قَوْلُهُ: وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمَ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ الْمُقَدَّمِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ مَرَّةً، وَالْعَمُودَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بِالْكَافِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ، وَأَسْقَطَ الْكَتَبَةُ جَرَّةَ الْكَافِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَحْمِلُهَا بِالْهَيْئَتَيْنِ أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، وَقَوْلُهُ: وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ: أَيْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْ الْهَيْئَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ يَاسِرَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَاسِرَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ ثُمَّ يَدُورُ مِنْ أَمَامِهَا حَتَّى لَا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَضَعُ يَامِنَةَ السَّرِيرِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَامِنَتَهُ الْمُؤَخَّرَةَ فَيَكُونُ قَدْ حَمَلَهَا عَلَى التَّرْبِيعِ ثُمَّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ. انْتَهَتْ.

وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ نِعْمَ مَا اقْتَضَتْهُ ثُمَّ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ تَأْخِيرٍ إدْخَالُ رَأْسِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَنْ حَمْلِهِ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الْهَيْئَتَيْنِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>