يَمْلِكْ الرَّقَبَةَ، إذْ الْإِعَارَةُ إنَّمَا تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ إعَارَةِ فَقِيهٍ أَوْ صُوفِيٍّ سَكَنُهُمَا فِي مَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً حَقِيقَةً، فَإِنْ أَرَادَ حُرْمَتَهُ فَمَمْنُوعٌ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى شَيْءٍ وَلَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِمَنْعِ ذَلِكَ، وَيَلْحَقُ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ اخْتِصَاصُهُ بِهَا لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ نَذَرَهُ مَعَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَمِثْلُهُ إعَارَةُ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَأَبٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا إذَا كَانَ الزَّمَنُ غَيْرَ مُقَابِلٍ بِأُجْرَةٍ وَلَا يَضُرُّ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِخْدَامِهِ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ حِلَّ إعَارَتِهِ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لِقِصَّةِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ تَسْمِيَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَارِيَّةً فِيهِ نَوْعُ تَجَوُّزٍ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِإِعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ التَّمْلِيكُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ التَّسْلِيطَ بِالْإِتْلَافِ لَكِنَّهَا اقْتَضَتْهُ بِالتَّسْلِيطِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ بِوُجُوهِ الِانْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ فَأَشْبَهَتْ الْمَبِيعَ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مِنْ السَّفِيهِ لَا يَضْمَنُهُ إذَا أَتْلَفَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ) لَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَلَيْسَ لَنَا مُعِيرٌ يَضْمَنُ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَمُرَادُهُ إنْ كَانَ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الْقَرَارَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ اسْتِخْدَامِهِ فِي ذَلِكَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ اسْتِخْدَامُ وَلَدِهِ فِيمَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَوْ كَانَ يَضُرُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي، وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ فِي الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُعَلِّمِ الْآتِي، وَبِتَسْلِيمِ الْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي لِلْأَبِ إذَا اسْتَخْدَمَ مَنْ ذَكَرَ أَنْ يَحْسِبَ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مُدَّةَ اسْتِخْدَامِهِ ثُمَّ يُمَلِّكَهَا لَهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَصْرِفَهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ.
وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَنْ يَمُوتَ إنْسَانٌ وَيَتْرُكَ أَوْلَادًا صِغَارًا فَتَتَوَلَّى أُمُّهُمْ أَمَرَهُمْ بِلَا وِصَايَةٍ، أَوْ كَبِيرُ الْإِخْوَةِ أَوْ عَمٌّ لَهُمْ مَثَلًا وَيَسْتَخْدِمُونَهُ م فِي رَعْيِ دَوَابَّ إمَّا لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ.
وَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ عَلَى مَنْ اسْتَخْدَمَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَرِيبًا، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِقَبْضِ الْأُمِّ أَوْ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا حَيْثُ لَا وِصَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ مِنْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ حِلَّ إعَارَتِهِ) أَيْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ لِخِدْمَتِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى الْفَقِيهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ اسْتِخْدَامُهُ يُعَدُّ إزْرَاءً بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَبَقِيَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْمُعَلِّمَ يَأْمُرُ بَعْضَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِ بَعْضٍ آخَرَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْوَلَدِ بِإِتْقَانِهِ لِلصَّنْعَةِ بِتَكْرَارِهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُعَلِّمَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِإِعَارَةٍ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ امْتِنَاعَ إعَارَةِ فَقِيهٍ إلَخْ) إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ أَعَارَ لِمُسْتَحِقِّ السُّكْنَى فِي الْمَدْرَسَةِ، أَوْ الرِّبَاطِ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْجَوَازُ، لَكِنْ هَذَا لَيْسَ عَارِيَّةً وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطُ حَقٍّ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ أَعَارَ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا الْمَنْعُ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَذْرَعِيِّ فَلَمْ يَتَوَارَدْ مَعَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الصُّورَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الصُّوفِيَّ يَخْرُجُ مِنْ السَّكَنِ الْمَذْكُورِ وَيُعِيرُهُ لِغَيْرِهِ.
أَمَّا كَوْنُهُ يَدْخُلُ عِنْدَهُ نَحْوُ ضَيْفٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْأَذْرَعِيِّ وَنَصَّهَا: قَوْلُهُ: أَيْ الْمُصَنِّفُ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصُّوفِيِّ، وَالْفَقِيهِ سَكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ انْتَهَتْ.
وَهُوَ كَمَا تَرَى لَمْ يُثْبِتْ حُكْمًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إلَخْ، وَأَيْضًا إذَا كَانَتْ عِبَارَتُهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الصُّوفِيِّ إلَخْ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَبٌ لِابْنِهِ) أَيْ وَأَنْ يُعِيرَ الْأَبُ ابْنَهُ لِلْغَيْرِ