للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالْإِعَارَةُ أَوْلَى مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ إيصَالُ حَقٍّ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَا يُسَمَّى عَارِيَّةً، أَوْ لِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيهِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ إعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ مُطْلَقًا.

وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الصَّوَابُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِقِنِّ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِبَعْضِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِبَعْضٍ آخَرَ لِمِلْكِهِ أَكْسَابَهُ لَوْلَا الْبَيْعُ، وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا بَاعَهُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ، وَهَذَا مِثْلُهُ لِأَنَّ الْقِنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا مِلْكَ لَهُ وَبَعْدَهُ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا، فَالْمَصْلَحَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي ذَلِكَ لِبَيْتِ الْمَالِ رَأْسًا، وَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَدَمَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ أَوْقَافِ الْأَتْرَاكِ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ أَرِقَّاءٌ لَهُ، فَمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ حَلَّتْ لَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَصَلَتْ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُطْلَقًا اهـ.

وَالْأَوْجَهُ اتِّبَاعُ شُرُوطِهِمْ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُمْ، وَفَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ فِي نَظَرِهِمْ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُمْ فِي ذَلِكَ لِإِخْرَاجِهِمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِالْوَلِيِّ إعْطَاؤُهُ أَحْكَامَهُ مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِهِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى إعْتَاقِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ مَمْنُوعٌ (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) إجَارَةً صَحِيحَةً لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي بَابِهِ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَمْ يَشْرُطْ الْوَاقِفُ اسْتِيفَاءَهُ بِنَفْسِهِ لَكِنْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (لَا مُسْتَعِيرٌ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُؤَجِّرْ وَلَمْ تَبْطُلْ عَارِيَّتُهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِيهَا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الثَّانِيَ كَمَا أَفَادَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

وَالثَّانِي: يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ) كَأَنْ يَرْكَبَ مِثْلُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَيْ بِجَوَازِ إعَارَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ إعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَعَارَهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ الْقِنِّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ) مِنْهُمْ حَجّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ سَائِرِ أَوْجُهِهِ) يَظْهَرُ مِنْ هَذَا اعْتِرَاضُ مَا رَدَّ بِهِ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِيمَا سَبَقَ اعْتِمَادُ الرَّدِّ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الرَّدُّ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ تَسْمِيَةِ الْإِسْنَوِيِّ دَفَعَ الْإِمَامُ شَيْئًا لِمُسْتَحِقِّهِ عَارِيَّةً (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى إعْتَاقِ الْعَبْدِ) الْأَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ كَمَا قَدَّمَهُ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْحَقِيقَةِ إعْتَاقٌ (قَوْلُهُ: وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ) إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ اهـ حَجّ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: هَذَا مُسْلِمٌ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى مُبَاشَرَةِ الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ كَأَنْ أَوْصَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْإِعَارَةُ وَإِنْ قُيِّدَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ اهـ.

وَقَوْلُ سم: وَإِلَّا أَيْ كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْإِعَارَةِ الْإِجَارَةُ حَيْثُ قُيِّدَتْ بِمُدَّةٍ أَوْ بِمَحَلِّ عَمَلٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّاظِرَ لَا يُعِيرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا بِأَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَانْحَصَرَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْإِعَارَةُ، لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ نَاظِرًا بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ الْمَالِكُ لَهُ: أَيْ الْمُسْتَعِيرَ، وَقَوْلُهُ الثَّانِي مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لَهُ وَأَعَارَهُ انْتَهَتْ عَارِيَّتُهُ وَانْتَفَى الضَّمَانُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَرْكَبَ مِثْلُهُ) أَشَارَ بِهِ لِتَقْيِيدِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَفَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ إلَخْ) هَذَا يُعَرِّفُكَ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شُرُوطِهِمْ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الْوَقْفِ؛ إذْ الْوَاقِفُ لَا يَشْتَرِطُ فِي صِحَّةِ وَقْفِهِ مُرَاعَاةَ مَصْلَحَةٍ وَلَا غَيْرَهَا وَإِنَّمَا ذَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُمْ الْوِلَايَةَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَقَدْ أَخْرَجُوا مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ دَخْلٌ فِي أُمُورِ بَيْتِ الْمَالِ، فَمُرَادُهُ بِالْأَتْرَاكِ الْفَاعِلِينَ لِذَلِكَ السَّلَاطِينَ وَأَتْبَاعَهُمْ فَتَنَبَّهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>