اجْتِهَادًا وَلَوْ مَعَ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ (أَوْ) فِي (إنَاءَيْنِ) كَمَاءٍ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ، وَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ لِغَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ صَاحِبِهِ فَصَلَّى كُلٌّ لِجِهَةٍ، أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ (فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ) مِنْ الْآنِيَةِ كَالْمِثَالِ الْآتِي وَلَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ) لِمَا يَأْتِي.
(فَإِنَّ) (ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ) كَإِنَائِهِ (اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا) جَوَازًا لِعَدَمِ تَرَدُّدِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَطْعًا كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ (فَلَوْ) (اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ) مِنْ الْآنِيَةِ (فِيهَا) إنَاءٌ (نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ) مِنْ النَّاسِ وَاجْتَهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ (فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَائِهِ) وَالْإِضَافَةُ هُنَا لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ (فَتَوَضَّأَ بِهِ) وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ (وَأَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ) الْبَاقِينَ (فِي صَلَاةٍ) مِنْ الْخَمْسِ مُبْتَدَئِينَ بِالصُّبْحِ (فَفِي الْأَصَحِّ) السَّابِقِ فِيمَا قَبْلَهَا (يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ) لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي إمَامِهَا بِزَعْمِهِمْ، وَإِنَّمَا عَوَّلُوا عَلَى التَّعْيِينِ بِالزَّعْمِ هُنَا مَعَ كَوْنِ الْأَمْرِ مَنُوطًا بِظَنِّ الْمُبْطِلِ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ صَوْنُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُطَابِقِ اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ، وَمَحَلُّ تَسْمِيَتِهِ اعْتِقَادًا حَيْثُ قَبِلَ التَّغْيِيرَ وَإِلَّا فَهُوَ عِلْمٌ (قَوْلُهُ: اجْتِهَادًا) أَيْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فَهُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَوَضَّأَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: مِنْ الْآنِيَةِ) جَمْعُ إنَاءٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْإِنَاءُ وَالْآنِيَةُ الْوِعَاءُ وَالْأَوْعِيَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ.
وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، فَالْإِنَاء مُفْرَدُ كَالْوِعَاءِ، وَالْآنِيَةُ جَمْعٌ كَالْأَوْعِيَةِ، وَأَصْلُ آنِيَةٍ أَأْنِيَةٌ قُلِبَتْ الثَّانِيَةُ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ هَمْزَتَانِ ثَانِيَتُهُمَا سَاكِنَةٌ وَجَبَ إبْدَالُهَا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظُنَّ مِنْ حَالِ غَيْرِهِ) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِقَوْلِهِ الْآتِي إلَّا إمَامُهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْآنِيَةِ) جَمْعُ إنَاءٍ وَجَمْعُهَا أَوَانٍ كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُ) ثُمَّ رَأَيْت أَكْثَرَ النُّسَخِ إنَاءٌ وَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ. اهـ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ مِنْ إفْرَادِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مِنْ الْمَجَازِ الْحُكْمِيِّ كَمَا نُقِلَ عَنْ السَّعْدِ وَأَيَّدَهُ الْعِصَامُ فَرَاجِعْ الْأَطْوَلَ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْأَوَانِي عَلَى عَدَدِ الْمُجْتَهِدِينَ كَثَلَاثِ أَوَانٍ مَعَ مُجْتَهِدِينَ كَانَ فِيهَا نَجَسٌ بِيَقِينٍ، وَاجْتَهَدَ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أَحَدِهَا فَظَنَّ طَهَارَتَهُ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فِي الْبَاقِي وَاجْتَهَدَ الْآخَرُ فِي الْإِنَاءَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ الطَّاهِرَ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ جَاءَ آخَرُ وَاجْتَهَدَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ لِطَهَارَةِ الثَّالِثِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِالْأَوَّلِ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالثَّالِثِ لِانْحِصَارِ النَّجَاسَةِ فِي إنَائِهِ، وَلَوْ كَانُوا خَمْسَةً وَالْأَوَانِي سِتَّةً كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَلِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْبَقِيَّةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ تَطَهَّرَ مِنْ السَّادِسِ لِمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُبْتَدَئِينَ بِالصُّبْحِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ (قَوْلُهُ: فَفِي الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُرَادَ الْمُحَرَّرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُدُولُهُ إلَى الْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي قَدْرِ الْمَقْضِيِّ مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُرْشِدُ إلَى الثَّانِي إتْيَانُهُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ. انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
عَمِيرَةُ وَقَوْلُهُ عُدُولُهُ إلَى الْفَاءِ أَوْلَى مِنْهُ عُدُولُهُ إلَى فِي؛ لِأَنَّهَا الَّتِي عُدِلَ إلَيْهَا وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَرْفَيْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُعَبَّرُ بِلَفْظِهِ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْفَاءِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِحَرْفِ التَّهَجِّي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ) أَيْ فَلَيْسَ الْأَمْرُ مَنُوطًا بِهِ.
وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْأَمْرِ لَيْسَ مَنُوطًا بِالْمُبْطِلِ الْمُبْهَمِ
[حاشية الرشيدي]
إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَالِاعْتِقَادُ أَعَمُّ مِنْ الْمُطَابِقِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ كَمَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فِي حَقِّ نَفْسِهِ: أَيْ فَيَتَطَهَّرُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ) وَهُوَ هُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute