كَوْنِ أَكْلِ مَا مَرَّ عُذْرًا عِنْدَ عُسْرِ زَوَالِ رِيحِهِ بِغُسْلٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا. وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَعْذُورِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ مَعَ الرِّيحِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ، هَذَا وَالْأَوْجَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ؛ لِوُجُودِ الْمَعْنَى، وَهُوَ التَّأَذِّي، وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ خَالِيًا أَوْ لَا، وَهَلْ يُكْرَهُ أَكْلُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا؟ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَرَاهَتِهِ نِيئًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ بَلْ جَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَكَرِهَ لَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْلَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا كَمَا كَرِهَ لَنَا نِيئًا. انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ إذْ عَادَتُهُ غَالِبًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَزَوْهُ إلَى قَائِلِهِ، وَإِنْ اُعْتُمِدَ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْطَ إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِأَكْلِهِ الْإِسْقَاطَ، وَإِنْ تَعَسَّرَ إزَالَتُهُ.
(وَحُضُورُ) نَحْوِ (قَرِيبٍ) وَصَدِيقٍ وَزَوْجَةٍ وَصِهْرٍ وَمَمْلُوكٍ وَأُسْتَاذٍ وَعَتِيقٍ وَمُعْتِقٍ (وَأَبٍ) أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَحَضَرَ عِنْدَ قَرِيبِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْتَ نَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ وَيَتَأَلَّمُ لِغَيْبَتِهِ (أَوْ) حُضُورِ (مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ) لَهُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِئَلَّا يَضِيعَ حَيْثُ خَافَ عَلَيْهِ ضَرَرًا، أَوْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ مَشْغُولٌ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ مَثَلًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ (أَوْ) حُضُورُ نَحْوِ قَرِيبٍ مِمَّنْ لَهُ مُتَعَهِّدٍ لَكِنَّهُ (يَأْنَسُ بِهِ) أَيْ بِالْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ تَأْنِيسَهُ أَهَمُّ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْأَعْذَارِ بِالْكَافِ فِي كَمَطَرٍ إلَى عَدَمِ انْحِصَارِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ، فَمِنْهَا أَيْضًا نَحْوُ زَلْزَلَةٍ وَغَلَبَةِ نُعَاسٍ وَسِمَنٍ مُفْرِطٍ وَسَعَى فِي اسْتِرْدَادِ مَالٍ يَرْجُو حُصُولَهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.
وَأَعْمَى حَيْثُ لَا يَجِدُ قَائِدًا وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ قَدَرَ عَلَيْهَا فَاضِلَةٍ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ وَلَا أَثَرَ لِإِحْسَانِهِ الْمَشْيَ بِالْعَصَا إذْ قَدْ تَحْدُثُ لَهُ وَهْدَةٌ يَقَعُ فِيهَا وَكَوْنُهُ مِنْهُمَا: أَيْ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ الْهَمُّ مِنْ الْخُشُوعِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ وَدَفْنِهِ وَوُجُودِ مَنْ يُؤْذِيهِ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِنَحْوِ شَتْمٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَجْذُومٌ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمُ، فَإِنَّ الْأَجْذَمَ إنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ قُطِعْت يَدُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ عُذْرًا) أَيْ فَيُنْدَبُ الْحُضُورُ: أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ أَوْ يَجِبُ: أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ حُضُورَهَا فَرْضٌ وَتُسَنُّ إزَالَتُهُ (قَوْلُهُ: بِكَرَاهَتِهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِأَكْلِهِ كَفَقْدِ مَا يَأْتَدِمُ بِهِ أَوْ تَوَقَانِ نَفْسِهِ إلَيْهِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلْهُ فَإِنَّى أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» .
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إذْ عَادَتُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِأَكْلِهِ الْإِسْقَاطَ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَمَرَّ آنِفًا أَنَّ مَنْ أَكَلَهُ بِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ كُرِهَ لَهُ وَحُرُمُ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ تَسْقُطْ. انْتَهَى. وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ هُنَا أَيْضًا إذَا تَوَقَّفَتْ الْجَمَاعَةُ الْمُجْزِئَةُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْقَصْدِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِسْقَاطَ لَمْ يَأْثَمْ وَتَسْقُطُ عَنْهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَكْلَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّاسَ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ. وَقَوْلُهُ وَلَمْ تَسْقُطْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحُضُورِ وَإِنْ تَأَذَّى بِهِ الْحَاضِرُونَ. بَقِيَ أَنَّ مِثْلَ أَكْلِ مَا ذُكِرَ بِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ وَضْعُ قِدْرِهِ فِي الْفُرْنِ بِقَصْدِ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَجِبُ الْحُضُورُ مَعَ تَأْدِيَتِهِ لِتَلَفِهِ. اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَحُضُورُ قَرِيبٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ كَزَانٍ مُحْصَنٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ، وَنَقَلَ ذَلِكَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ لِمَنْ حَضَرَ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُحْتَضَرَ لَا يَتَأَذَّى بِغَيْبَةِ أَحَدٍ عَنْهُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ مَا دَامَتْ الرُّوحُ بَاقِيَةً كَانَ لَهُ شُعُورٌ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ النُّطْقِ بِمَا يُرِيدُ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَأَلَّمُ لِغَيْبَتِهِ) عَمِيرَةُ، أَحْسَنُ مِنْ هَذَا قَوْلُ غَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شَغْلِ الْقَلْبِ السَّالِبِ لِلْخُشُوعِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: وَهْدَةٌ يَقَعُ فِيهَا) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَضَرَّرُ بِالتَّعَثُّرِ بِهِ كَأَثْقَالٍ تُوضَعُ فِي طَرِيقِهِ وَدَوَابَّ تُوقَفُ فِيهَا. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَحَمْلِهِ وَدَفْنِهِ) أَيْ حَيْثُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ حُضُورُ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ) إنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَ حُضُورٍ دُونَ لَفْظِ قَرِيبٍ لِكَوْنِهِ أَفْيَدَ وَإِنْ كَانَ الْمَتْنُ لَا يَقْبَلُهُ فَهُوَ حَلُّ مَعْنًى وَإِلَّا فَالْمَتْنُ مَفْرُوضٌ فِي الْقَرِيبِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ لِيَتَأَتَّى لَهُ الْعَطْفُ فِي الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ: لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ)