كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ لَائِقًا بِهِ بِأَنْ اعْتَادَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلُّ بِهِ مُرُوءَتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ فَقْدَ مَا يَرْكَبُهُ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ الْمَشْيُ كَالْعَجْزِ عَنْ لِبَاسٍ لَائِقٍ (وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ) مُبَاحٍ يُرِيدُهُ (مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ) قَبْلَ الْجَمَاعَةِ، وَيَخَافُ مِنْ التَّخَلُّفِ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ كَانَ يَسْتَوْحِشُ فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ.
(وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) كَبَصَلٍ أَوْ ثُومٍ أَوْ كُرَّاثٍ أَوْ فُجْلٍ نِيءٌ، وَمِثْلُهُ الْمَطْبُوخُ الْبَاقِي لَهُ رِيحٌ قُنَّا وَلَوْ قَلَّ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافُ الْغَالِبِ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: يُحْتَمَلُ الرِّيحُ الْبَاقِي بَعْدَ الطَّبْخِ مَحْمُولٌ عَلَى رِيحٍ يَسِيرٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ أَذًى، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ ثُومًا أَوْ كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» وَفِي رِوَايَةٍ «الْمَسَاجِدَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ جَابِرٌ: يَعْنِي مَا أَرَاهُ إلَّا نَيِّئَهُ، وَزَادَ الطَّبَرِيُّ: أَوْ فُجْلًا.
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ بِثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِهِ رِيحٌ كَرِيهَةٌ كَدَمِ فَصْدٍ وَقَصَّابٍ وَأَرْبَابِ الْحِرَفِ الْخَبِيثَةِ وَذِي الْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكَمِ وَالْجِرَاحَاتِ الْمُنْتِنَةِ وَالْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ وَمَنْ دَاوَى جُرْحَهُ بِنَحْوِ ثُومٍ؛ لِأَنَّ التَّأَذِّي بِذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْهُ بِأَكْلِ نَحْوِ الثُّومِ، وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ مَنْعَ الْأَجْذَمِ وَالْأَبْرَصِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ.
وَمَحَلُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ فَقْدَ مَا يَرْكَبُهُ إلَخْ) وَمِثْلُ فَقْدِهِ فَقْدُ مَا يَلِيقُ بِهِ رُكُوبُهُ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ جِدًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ عُدَّ إزْرَاءً بِهِ (قَوْلُهُ: لِسَفَرٍ مُبَاحٍ) أَيْ وَلَوْ سَفَرَ نُزْهَةٍ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ التَّوَقُّفَ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَاسْتَظْهَرَهُ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ عِبَارَتِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: رِيحٍ كَرِيهٍ) قَالَ حَجّ لِمَنْ يَظْهَرُ مِنْهُ رِيحُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ فُجْلٍ) أَيْ لِمَنْ يَتَجَشَّى مِنْهُ لَا مُطْلَقًا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي اهـ سم عَلَى عُبَابٍ، قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانُ بَعُدَ مِثْلُ مَا ذَكَرَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا كَرَاهَةَ لِرِيحِهِ إلَّا حِينَئِذٍ. اهـ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لِأَكْلِهِ لِلْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: بَابُ مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيءِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرٍ «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَعْنِي الثُّومَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» إلَى أَنْ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا» ، أَوْ قَالَ: «فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، أَوْ لِيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» انْتَهَى عَمِيرَةُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ انْتَهَى. قَالَ الدَّمِيرِيِّ: وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ «كُلْهُ فَإِنَّى أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» . اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى» إلَخْ) قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ غَيْرُ الْكَاتِبِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ. بَقِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَوْجُودُونَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا فَمَا وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِالْمَسْجِدِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ تَضْيِيقٌ لَا يُحْتَمَلُ وَمَا مِنْ مَحَلٍّ إلَّا وَتُوجَدُ الْمَلَائِكَةُ فِيهِ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ الْمَلَائِكَةُ الْبُعْدَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ مُلَازَمَتَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
نَعَمْ مَوْضِعُ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: أَوْ لِشَرَفِ مَلَائِكَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي حِكْمَةِ الْبَصْقِ عَلَى الْيَسَارِ أَنَّ ذَلِكَ تَعْظِيمُ مَلَكِ الْيَمِينِ لِكِتَابَتِهِ الْحَسَنَاتِ (قَوْلُهُ: رِيحٌ كَرِيهَةٌ إلَخْ) وَمِنْ الرِّيحِ الْكَرِيهَةِ رِيحُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ الْآنَ جَعَلَ اللَّهُ عَاقِبَتَهُ كَأَنَّهُ مَا كَانَ.
(قَوْلُهُ: وَالصُّنَانِ) بِكَسْرِ الصَّادِ. وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ: الصِّنُ بِالْكَسْرِ بَوْلُ الْإِبِلِ وَأَوَّلُ أَيَّامِ الْعَجُوزِ وَشِبْهُ السَّلَّةِ الْمُطْبَقَةِ يُجْعَلُ فِيهَا الْخُبْزُ، وَبِهَا ذَفَرُ الْإِبْطِ كَالصُّنَانِ انْتَهَى.
وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الصُّنَانَ يَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالضَّمُّ عَلَى مَا هُوَ مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ بِهِ فِي الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ وَالصِّحَاحِ وَنِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: مَنْعَ الْأَجْذَمِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ التَّعْبِيرِ بِالْأَجْذَمِ عَنْ صَاحِبِ الْمَرَضِ الْمَخْصُوصِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْقَامُوسِ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بِهِ الْمَرَضُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .