أَنَّهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ حَالًّا كَانَ عُذْرًا، وَإِلَّا فَلَا (وَ) خَوْفُ (مُلَازَمَةِ) أَوْ حَبْسِ (غَرِيمٍ مُعْسِرٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ فَلَا يُنَوَّنُ غَرِيمُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الدَّائِنُ وَمِثْلُهُ وَكِيلُهُ، أَوْ لِمَفْعُولِهِ فَيُنَوَّنُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْمَدِينُ وَمَحَلُّهُ إذَا عَسِرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ بِخِلَافِ الْمُوسِرِ بِمَا عَلَيْهِ، وَالْمُعْسِرِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ، وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ حَبْسِهِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَ) خَوْفُ (عُقُوبَةٍ) تَقْبَلُ الْعَفْوَ عَنْهَا كَحَدِّ قَذْفٍ وَقَوَدٍ وَتَعْذِيرٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَ (يُرْجَى تَرْكُهَا) وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ (إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا) يَعْنِي زَمَنًا يَسْكُنُ فِيهِ غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ، أَمَّا حَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَعْذُرُ بِالْخَوْفِ مِنْهَا إذَا بَلَغَتْ الْإِمَامَ: أَيْ وَثَبَتَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا رُخْصَةَ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ التَّغَيُّبُ عَنْهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، وَلَهُ التَّغَيُّبُ عَنْ الشُّهُودِ لِئَلَّا يَرْفَعُوا أَمَرَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَغَيُّبُ مَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ أَنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ، وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغَيُّبَ طَرِيقُهُ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِأَيَّامًا مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ وَلَوْ عَلَى بُعْدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ لِصَبِيٍّ وَحَصَلَ رَجَاؤُهُ لِقُرْبِ بُلُوغِهِ مَثَلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَقَدْ يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِمَنْ يَرَى الِاخْتِصَاصَ لِلْوَلِيِّ أَوْ لِمَنْ يَحْبِسُهُ خَشْيَةً مِنْ هَرَبِهِ إلَى الْبُلُوغِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّغَيُّبُ.
(وَعُرْيٌ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ، وَإِنْ وَجَدَ سَاتِرَ عَوْرَتِهِ كَفَقْدِ عِمَامَةٍ أَوْ قَبَاءٍ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ وَنَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ: كَحَدِّ قَذْفٍ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ: لِقُرْبِ بُلُوغِهِ) اُنْظُرْ مَا ضَابِطُ الْقُرْبِ، بَلْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَلَوْ عَلَى بُعْدِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقُرْبِ.
(قَوْلُهُ: وَعَرِيٌّ) يُقَالُ فَرَسٌ عَرِيٌّ: أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ أَيْضًا عَرِيَ مِنْ ثِيَابِهِ إذَا تَعَرَّى كَعَمِيَ يَعْرَى عُرِيًّا بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَجُوزُ قِرَاءَةُ الْكِتَابِ بِالْوَجْهَيْنِ انْتَهَى عَمِيرَةُ
[حاشية الرشيدي]
بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُعْسِرُ الْقَادِرُ) الْمُنَاسِبُ وَالْمُعْسِرُ الَّذِي لَا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ (قَوْلُهُ: أَيْ وَثَبَتَتْ عِنْدَهُ) أَيْ وَطَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ) بَدَلٌ مِنْ مَا وَنَائِبُ فَاعِلِ عُلِمَ قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ إلَخْ، لَكِنْ فِي كَوْنِ هَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ رَجَاءَ تَرْكِ الْمُسْتَحَقِّ مُسْتَبْعَدٌ لِضَنِّهِ بِهِ وَعَدَمِ سَمَاحِهِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْبُعْدُ فِي الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِأَيَّامًا مُطْلَقُ الزَّمَانِ الصَّادِقِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ كَمَا عَرَفْت عَدَمُ الْفَرْقِ فِي الرَّجَاءِ بَيْنَ طَوِيلِ الزَّمَانِ وَقَصِيرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْلِيدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِقُرْبِ بُلُوغِهِ لَا يُقَالُ: هُوَ وَإِنْ قَيَّدَ بِهِ لَكِنْ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّقْيِيدِ حَيْثُ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مَثَلًا لِيَدْخُلَ مَا إذَا لَمْ يَقْرُبْ بُلُوغُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فَأَيُّ مَعْنًى لِذِكْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ لِقُرْبِ بُلُوغِهِ لِإِدْخَالِ مَا ذَكَرَ، إذْ لَا يُقَاسُ الْبَعِيدُ بِالْقَرِيبِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لِصَبِيٍّ لِيَدْخُلْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَالْمَجْنُونِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: يُسْتَفَادُ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّيْخَيْنِ بِأَيَّامًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوَدُ لِصَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ التَّغْيِيبُ لِتَوَقُّفِ الْعَفْوِ عَلَى الْبُلُوغِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ سِنِينَ، فَزَيَّفَهُ عَلَيْهِ الشِّهَابُ حَجّ فِي إمْدَادِهِ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا أَنَّهُ يَغِيبُ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ: أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ مَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِأَيَّامًا، وَعِبَارَتُهُ أَعَنَى الْإِمْدَادَ.
وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ رَجَاءَ الْعَفْوِ بِتَغْيِيبِهِ أَيَّامًا وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْقَوَدَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ التَّغْيِيبُ لِتَوَقُّفِ الْعَفْوِ عَلَى الْبُلُوغِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ سِنِينَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَغِيبُ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ، فَقَدْ يُرْفَعُ لِمَنْ يَرَى الِاخْتِصَاصَ لِلْوَلِيِّ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا تَرَى مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ لِقُرْبِ بُلُوغِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مُرَادًا لَهُمَا، لَكِنْ بِمَا لَا يُلَائِمُهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِأَيَّامًا إلَخْ، وَلَا مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَقَدْ يُرْفَعُ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute