للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ حَالَةٍ تُنَافِي خُشُوعَهُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ تُطْلَبْ الصَّلَاةُ فَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى، وَيَأْتِي عَلَى الْمَشْرُوبِ كَاللَّبَنِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُؤْتَى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالشِّدَّةِ أَنَّ السُّقُوطَ بِهِمَا وَبِمَا قَبْلَهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَصْبِرَ إلَى حَالَةٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الِابْتِدَاءِ كَأَنْ يَخِفَّ.

(وَمُدَافَعَةُ حَدَثٍ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ وَالتَّطَهُّرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةً. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَشِيَ بِتَخَلُّفِهِ لَمَّا ذَكَرَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَخْشَ مِنْ كَتْمِ حَدَثِهِ وَنَحْوِهِ ضَرَرًا كَمَا بَحْثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ صَلَّى وُجُوبًا مَعَ مُدَافَعَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ.

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِيُفَرِّغَ نَفْسَهُ لِمَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ فَرَّغَ نَفْسَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ لَهُ الْحَقْنُ فِي صَلَاتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا إنْ كَانَ فَرْضًا إلَّا إنْ اشْتَدَّ الْحَالُ وَخَافَ ضَرَرًا.

(وَخَوْفُ ظَالِمٍ) مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ (عَلَى) مَعْصُومٍ مِنْ (نَفْسٍ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ مَالٍ) أَوْ عِرْضٍ أَوْ حَقٍّ لَهُ وَلَوْ اخْتِصَاصًا فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّبُّ عَنْهُ فِي الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِمَنْ قُيِّدَ بِهِ وَذِكْرُ ظَالِمٍ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ. إذْ الْخَوْفُ عَلَى نَحْوِ خُبْزِهِ فِي تَنُّورٍ عُذْرٌ أَيْضًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ عُذْرًا. نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَذَا فِي أَكْلِ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ بِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ فَيَأْثَمُ بِعَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَوْ مَعَ رِيحِ الْمُنْتِنِ، لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ السَّعْيُ فِي إزَالَتِهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ مَحَلٍّ عَمَّهُمْ عُذْرٌ كَمَطَرٍ.

أَمَّا خَوْفُ غَيْرِ ظَالِمٍ كَذِي حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ فَوْرًا فَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ وَتَوْفِيَتُهُ. وَمِثْلُ خَوْفِهِ عَلَى نَحْوِ خُبْزِهِ خَوْفُهُ عَدَمَ نَبَاتِ بَذْرِهِ أَوْ ضَعْفِهِ أَوْ أَكْلِ نَحْوَ جَرَادٍ لَهُ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْجَمَاعَةِ، وَلَوْ خَافَ مِنْ حُضُورِهَا فَوَاتَ تَحْصِيلِ تَمَلُّكِ مَالٍ فَالْأَوْجَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

هَذَا مُعْتَمَدٌ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: يُنَافِي خُشُوعَهُ) وَمِنْهُ مَا لَوْ تَاقَتْ نَفْسُهُ لِلْجِمَاعِ بِحَيْثُ يَذْهَبُ خُشُوعُهُ لَوْ صَلَّى بِدُونِهِ.

(قَوْلُهُ: ضَرَرًا) أَيْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ (قَوْلُهُ: وَخَافَ ضَرَرًا) أَيْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَيْضًا فَلَهُ الْقَطْعُ بَلْ قَدْ يَجِبُ

(قَوْلُهُ: إذْ الْخَوْفُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ خَافَ تَلَفًا أَوْ عَيْبًا فِيهِ فَلَا يُنَافِي الِاسْتِدْرَاكَ الْآتِيَ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ فِي الْخَبْزِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ السَّعْيُ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنْ عَلِمَ تَأَذِّي النَّاسِ بِهِ. اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اُعْتِيدَ وَمِمَّا يُحْتَمَلُ أَذَاهُ عَادَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْلِ نَحْوِ جَرَادٍ) مِنْ النَّحْوِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ تُطْلَبْ الصَّلَاةُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى عَدَمِ طَلَبِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْجُوعِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَكْلَ ثُمَّ يُصَلِّي، وَالصُّورَةُ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي التَّأْخِيرِ هَذَا الزَّمَنِ الْقَصِيرِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَأَيْنَ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ أَيْنَ الْمُسَاوَاةُ (قَوْلُهُ: أَنَّ السُّقُوطَ بِهِمَا وَبِمَا قَبْلَهُمَا إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ وَهِيَ عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ بِهِمَا وَبِمَا قَبْلَهُمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: مِثَالٌ لَا قَيْدٌ) أَيْ وَإِنْ خَرَجَ بِهِ مَا يَأْتِي فَهُوَ مِثَالٌ بِاعْتِبَارٍ قَيْدٌ بِاعْتِبَارٍ (قَوْلُهُ: إذْ الْخَوْفُ عَلَى نَحْوِ خُبْزِهِ) أَيْ وَلَوْ نَحْوَ تَعَيُّبٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فِي التَّعَدِّي نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِعَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَكَذَا الْجَمَاعَةُ وَإِنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا فَرْضُهُ فِي الْجُمُعَةِ لِتَأَتِّي ذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ جَعْلِهِ الْإِثْمَ بِعَدَمِ الْحُضُورِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْأَكْلِ.

وَفِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ لِلشِّهَابِ سم نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَكْلًا، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْقَصْدُ.

وَعَنْ الشِّهَابِ حَجّ أَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) يَعْنِي بِنَدْبِ السَّعْيِ فِي إزَالَتِهِ، وَإِلَّا فَفَرْضُ فُتْيَاهُ فِيمَا لَوْ أَكَلَ مَا ذُكِرَ جَاهِلًا بِأَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا وَقْفَةٌ تُعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>