للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِجَمْعٍ تَوَهَّمُوا اتِّحَادَهُمَا (وَبَرْدٌ) لَيْلًا وَنَهَارًا (شَدِيدَانِ) بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مَأْلُوفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ، إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأَذِّي وَالْمَشَقَّةُ فَحَيْثُ وُجِدَ كَانَ عُذْرًا، وَإِلَّا فَلَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الْخَاصِّ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَعَدَّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ مِنْ الْعَامِّ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَيَكُونَانِ مِنْ الْخَاصِّ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّهَا فَيَحُسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى فَيَكُونَانِ مِنْ الْعَامِّ.

(وَجُوعٌ وَعَطَشٌ ظَاهِرَانِ) أَيْ شَدِيدَانِ وَالْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ حَاضِرَا، وَقَرُبَ حُضُورُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ وَكَانَ تَائِقًا لِذَلِكَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ: الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ، إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ لَهُ لَا الشَّوْقُ، فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّاهُ إذَا كَانَتْ بِهِمَا بَلْ لِشِدَّتِهِمَا، وَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَنَّ شِدَّةَ أَحَدِهِمَا كَافِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ وَلَا قَرُبَ حُضُورُهُ رُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ كَخَبَرِ «إذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» وَخَبَرِ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَّ أَصْلُ خُشُوعِهِ لِشِدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِمُدَافَعَةِ الْحَدَثِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ، إذْ مَشَقَّةُ هَذَا أَكْثَرُ وَلِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَحَمْلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى عَدَمِ اخْتِلَالِ خُشُوعِهِ إلَّا بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ قُرْبِ حُضُورِهِ، فَيَبْدَأُ حِينَئِذٍ بِمَا يَكْسِرُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَكْلِ لُقَمٍ فِي الْجُوعِ، وَتَصْوِيبُ الْمُصَنِّفِ الشِّبَعَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ. نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا إذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ التَّطَلُّعِ بَعْدَ أَكْلِ مَا ذُكِرَ، وَكَلَامُهُ عَلَى خِلَافِهِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ الْحَرَّ إنَّمَا يَكُونُ عُذْرًا إذَا حَصَلَ بِهِ التَّأَذِّي، فَإِذَا وَجَدَ ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الظِّلُّ دَافِعًا لِلتَّأَذِّي بِالْحَرِّ فَلَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِكَوْنِ الْحَرِّ عُذْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا لِذَلِكَ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْإِبْرَادِ أَيْضًا، وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، إذْ لَيْسَ الْمَدَارُ فِيهِمَا إلَّا عَلَى حُصُولِ التَّأَذِّي بِالْحَرِّ.

وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي مُفَارَقَةِ مَا هُنَا لِلْإِبْرَادِ أَنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ الْإِبْرَادَ، وَأَقَامَ الْجَمَاعَةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيَعْذُرُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ لِعُذْرِ الْحَرِّ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الْحَرِّ بِشَرْطِهِ، فَإِنْ خَالَفُوا وَأَقَامُوا الْجَمَاعَةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ عُذِرَ مَنْ تَخَلَّفَ لِعُذْرِ الْحَرِّ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. لَكِنْ هَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمَشَقَّةُ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَشْرُوبُ حَاضِرٌ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ يَتَرَقَّبُ حَلَالًا، فَلَوْ لَمْ يَتَرَقَّبْهُ كَانَ كَالْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا) أَيْ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ (قَوْلُهُ: الِاشْتِيَاقُ لَهُ لَا الشَّوْقُ) الَّذِي فِي الْمُخْتَارِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّوْقِ وَالِاشْتِيَاقِ. قَالَ: الشَّوْقُ وَالِاشْتِيَاقُ نِزَاعُ النَّفْسِ إلَى الشَّيْءِ. اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّزَاعَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ، فَهُوَ إذَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالِاشْتِيَاقِ أَقْوَى مِنْهُ إذَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالشَّوْقِ وَعَلَيْهِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الْمَعْنَى لَا الْمُرَادِ مِنْهُمَا، وَعِبَارَةُ حَجّ عَبَّرَ آخَرُونَ بِالتَّوَقَانِ إلَيْهِ، وَلَا تَنَافِيَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِدَّةُ الشَّوْقِ لَا أَصْلُهُ وَهُوَ مُسَاوٍ لِشِدَّةِ أَحَدِ ذَيْنِك. اهـ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِهِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَا هُنَا مُغَايِرٌ لِحُكْمِ الْإِبْرَادِ، إلَّا أَنَّ مَا ذُكِرَ وَجْهُ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ تَائِقًا لِذَلِكَ) كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ طَعَامٍ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِهِ شِدَّةُ الْجُوعِ كَأَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ تَنْفِرُ مِنْهُ فَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِوَصْفِ الْجُوعِ بِالشِّدَّةِ (قَوْلُهُ: وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ التَّطَلُّعِ) أَيْ الَّذِي مَعَهُ تَوَقَانٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالشِّدَّةِ إلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>