للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَيَّدَهَا بِصَفَّيْنِ، وَلَوْ أُزِيلَتْ سُتْرَتُهُ حَرُمَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا الْمُرُورُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ يَرَاهَا مُقَلِّدُهُ وَلَا يَرَاهَا مُقَلِّدُ الْمَارِّ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ، وَلَوْ قِيلَ بِاعْتِقَادِ الْمُصَلِّي فِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَفِي عَدَمِ تَحْرِيمِ الْمُرُورِ بِاعْتِقَادِ الْمَارِّ لَمْ يَبْعُدْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَذْهَبَ الْمُصَلِّي، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ سَتْرِهِ حَتَّى عَنْ الْخَطِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنِهِ اعْتَدَّ بِهَا كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ. اهـ. وَلَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ كَامْرَأَةٍ وَحِمَارٍ وَكَلْبٍ لَمْ تَبْطُلْ. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» فَالْمُرَادُ بِهِ قَطْعُ الْخُشُوعِ لِلشُّغْلِ بِهَا. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ بَعْضَ الصُّفُوفِ لَا يَكُونُ سُتْرَةً لِبَعْضِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.

(قُلْت: يُكْرَهُ) (الِالْتِفَاتُ) فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَلِّي ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى فِي جُزْءٍ مِنْهَا بِوَجْهِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» وَوَرَدَ «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ» وَلَوْ حَوَّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ، كَمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ اللَّعِبَ لَا لِحَاجَةٍ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا لَا يُكْرَهُ مُجَرَّدُ لَمْحِ الْعَيْنِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ فَارِسًا فِي الشِّعْبِ مِنْ أَجْلِ الْحَرَسِ، فَجَعَلَ يُصَلِّي، وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ» (وَرَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ) لِخَبَرِ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

التَّقْصِيرِ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ فِي مَوْضِعِ مُرُورِ النَّاسِ مَثَلًا فَخِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ حَجّ: وَهُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِخِلَافِ الْخُوَارِزْمِيَّ فَيَقُولُونَ بِالْكَرَاهَةِ خُرُوجًا مِنْهُ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ لِمُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا) أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لِلْمُصَلِّي دَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدْ) ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ سم عَلَى حَجّ.

وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَفَعَ الْمُصَلِّي الْمُعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْمُرُورِ مَارًّا لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَمَاتَ الْمَدْفُوعُ لَمْ يَضْمَنْهُ الدَّافِعُ لِجَوَازِ مَا فَعَلَهُ بَلْ سُنَّةٌ فِي اعْتِقَادِهِ، لَكِنْ لَوْ تَرَافَعَ الدَّافِعُ، وَوَلَّى الْمَدْفُوعَ إلَى حَاكِمٍ فَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِهِ اُعْتُدَّ بِهَا) أَيْ فَيَنْبَغِي لَهُ وَضْعُهَا حَيْثُ كَانَ لِلْمُصَلِّي عُذْرٌ فِي عَدَمِ الْوَضْعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسَنَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى خَيْرٍ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُصَلِّي السُّتْرَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا تَلِفَتْ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ مِنْ الْمَالِكِ، وَلَوْ بِإِشَارَةٍ مِنْهُ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا فَهِيَ عَارِيَّةٌ، فَإِنْ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا ضَمِنَ وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ مَا لَمْ يُعَدَّ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا بِلَا إذْنٍ، وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ مِلْكًا لِلْمُصَلِّي وَلَمْ يَضَعْهَا ثُمَّ أَخَذَهَا غَيْرُهُ وَوَضَعَهَا وَتَلِفَتْ هَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِ يَدِهِ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَصْلَحَةً تَعُودُ عَلَى الْمُصَلِّي مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ مِنْ الْمُصَلِّي عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. (قَوْلُهُ: يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ) أَيْ وَلَوْ بِحَائِلٍ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَيْضًا وَلَا يُعَدُّ سُتْرَةً لَهُ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: فِي جُزْءٍ مِنْهَا) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا) أَيْ بِرَحْمَتِهِ وَرِضَاهُ. اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِالِالْتِفَاتِ بِالْوَجْهِ (قَوْلُهُ: فِي الشِّعْبِ مِنْ أَجْلِ الْحَرَسِ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ، وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ اهـ (قَوْلُهُ: فَجَعَلَ) أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ إلَخْ) أَيْ مَا حَالُهُمْ وَأَبْهَمَ الرَّافِعَ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ خَاطِرُهُ؛ لِأَنَّ النَّصِيحَةَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فَضِيحَةٌ، وَقَوْلُهُ لَيَنْتَهُنَّ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٌ، وَالْأَصْلُ لَيَنْتَهُونَنَّ، وَقَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ أَيْ عَنْ رَفْعِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ إلَخْ) أَيْ بِجَامِعِ عَدَمِ التَّقْصِيرِ، إذْ مَنْ أَتَى بِالسُّتْرَةِ الَّتِي كَلَّفَهُ بِهَا مُقَلَّدُهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا (قَوْلُهُ: يَسْتَقْبِلُهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِيهِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَنْصُوبُ لِلْمُصَلِّي كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ فِي يَرَاهُ لِلْمُصَلِّي فَلْيُرَاجَعْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>