للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَإِنْذَارِ نَحْوِ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ تَعَيَّنَ الْمُرُورُ طَرِيقًا لِإِنْقَاذِهِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالِاسْتِتَارِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ.

وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ مَعَ السُّتْرَةِ الْمُقَرَّرَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا فُقِدَتْ أَوْ كَانَتْ وَتَبَاعَدَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ السُّتْرَةِ أَنْ يَظْهَرَ لِصَلَاتِهِ حَرِيمٌ يَضْطَرِبُ فِيهِ فِي حَرَكَاتِهِ وَانْتِقَالَاتِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَتِرْ فَهُوَ الْمُهْدِرُ لِحُرْمَةِ نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ قَصَّرَ الْمُصَلِّي بِأَنْ وَقَفَ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ أَوْ بِشَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ ضَيِّقٍ أَوْ نَحْوِ بَابِ مَسْجِدٍ كَالْمَحَلِّ الَّذِي يَغْلِبُ مُرُورُ النَّاسِ بِهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ كَالْمَطَافِ وَكَأَنْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي صَفٍّ أَمَامَهُ فَاحْتِيجَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِفُرْجَةِ قَبْلَهُ فَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي حَرِيمِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ قَدْرُ إمْكَانِ سُجُودِهِ خِلَافًا لِلْخُوَارِزْمِيِّ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ التَّقْصِيرِ.

وَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الصُّفُوفُ، وَوَهِمَ مَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَوَضَعَ السُّتْرَةَ فِي غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي فِيهِ جَوَازُ الدَّفْعِ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ (قَوْلُهُ: لِإِنْقَاذِهِ) أَيْ أَوْ خَطْفُ نَحْوِ عِمَامَتِهِ وَتَوَقُّفُ إنْقَاذِهَا مِنْ السَّارِقِ عَلَى الْمُرُورِ فَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ، بَلْ يَجِبُ فِي إنْقَاذِ نَحْوِ الْمُشْرِفِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُصَلِّي الدَّفْعُ إنْ عَلِمَ بِحَالِهِ.

[فَائِدَةٌ] قَالَ حَجّ: وَيُسَنُّ وَضْعُ السُّتْرَةِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا بِوَجْهِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ سُتْرَةٌ مُحْتَرَمَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلَهُ: وَيُسَنُّ وَضْعُ إلَخْ لَا يَتَأَتَّى فِي الْجِدَارِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَقَدْ يَتَأَتَّى فِيهِ بِأَنْ يَنْفَصِلَ طَرَفُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ السُّنَّةُ وُقُوفُهُ عِنْدَ طَرَفِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَشْمَلُ الْمُصَلِّي فَهَلْ السُّنَّةُ وَضْعُهَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكْفِيَ كَوْنُ بَعْضِهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَصَّرَ الْمُصَلِّي إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَحَلًّا يَقِفُ فِيهِ إلَّا بَابَ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا حَرُمَ الْمُرُورُ سُنَّ لَهُ الدَّفْعُ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَةِ الْمُرُورِ لِعُذْرِ كُلٍّ مِنْ الْمَارِّ وَالْمُصَلِّي.

أَمَّا الْمُصَلِّي فَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْمُرُورَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ لِلْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ لَهُ الْجُلُوسُ فِي غَيْرِ الْمَمَرِّ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَغْلِبُ مُرُورُ النَّاسِ بِهِ) وَلَيْسَ مِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الصَّلَاةِ بِدَاخِلِ رِوَاقِ ابْنِ الْمُعَمِّرِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمُرُورِ غَالِبًا. نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا لَوْ وَقَفَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَابِ (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ تَرَكَ فُرْجَةً) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالتَّرْكِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ تَقْصِيرٌ كَأَنْ كَمُلَتْ الصُّفُوفُ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ بَعْضٍ مِنْ نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ وَلَا لِسَنِّ الدَّفْعِ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَحَقُّقِ عُرُوضِ الْفُرْجَةِ وَالشَّكِّ فِيهِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ وَسَنُّ الدَّفْعِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَا يَمْنَعُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ التَّقْصِيرِ) أَيْ أَمَّا مَعَ انْتِفَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ السُّتْرَةُ فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَ بَابِ مَسْجِدِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَى الْوُقُوفِ فِيهِ بِأَنْ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ بِالصُّفُوفِ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَ فِي الْحَاشِيَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ احْتِمَالًا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَةِ الْمُرُورِ لِعُذْرِ كُلٍّ مِنْ الْمَارِّ وَالْمُصَلِّي. أَمَّا الْمُصَلِّي فَلِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ الْمُرُورَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ لِلْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يَتَيَسَّرُ لَهُ الْجُلُوسُ فِي غَيْرِ الْمَمَرِّ، وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُمْتَلِئٌ بِالصُّفُوفِ فَأَيْنَ يَذْهَبُ الْمَارُّ وَالْمَسْجِدُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمُرُورِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي إلَخْ فِيهِ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الصُّورَةُ مَا ذَكَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوفِ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ بِالْبَابِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا تَقْصِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>