للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ وَيُسَنُّ الْيُسْرَى وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ حَبْسَ الشَّيْطَانِ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ لِاسْتِقْذَارِهِ. نَعَمْ الْأَوْجَهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِغَيْرِهَا أَيْضًا إذْ لَيْسَ فِيهَا أَذًى حِسِّيٌّ وَالْمَدَارُ فِيمَا يُفْعَلُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ عَلَيْهِ وُجُودًا وَعَدَمًا دُونَ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِتَنْحِيَةِ أَذًى مَعْنَوِيٍّ أَيْضًا بَلْ لِرَدِّ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي الْخَبَرِ، فَهُوَ إذَا رَآهَا لَا يَقْرُبُهُ فَأَيُّ وَاحِدَةٍ نَحَّى بِهَا كَفَتْ، لَكِنْ يُوَجَّهُ مَا قَالُوهُ بِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِدَفْعِ مُسْتَقْذَرٍ يُنَاسِبُهُ الْيَسَارُ فَكَانَتْ أَوْلَى، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِوَضْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوَضَعَ ظَهْرَهَا أَوْ بَطْنَهَا، وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ» وَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِالصَّلَاةِ بَلْ خَارِجِهَا كَذَلِكَ، وَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَمَسْحُ نَحْوِ الْحَصَى بِسُجُودِهِ عَلَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ (وَ) يُكْرَهُ (الْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ) وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَوَجَعِ الْأُخْرَى لَمْ تُكْرَهْ.

(وَ) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ حَاقِنًا) بِالنُّونِ أَيْ بِالْبَوْلِ (أَوْ حَاقِبًا) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ بِالْغَائِطِ بِأَنْ يُدَافِعَ ذَلِكَ، أَوْ حَازِقًا بِالْقَافِ: أَيْ مُدَافِعًا لِلرِّيحِ، أَوْ حَاقِمًا بِهِمَا بَلْ السُّنَّةُ تَفْرِيغُ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْيَدِ لَهَا هَيْئَةٌ مَطْلُوبَةٌ فِي الصَّلَاةِ كَوَضْعِهَا تَحْتَ صَدْرِهِ فِي الْقِيَامِ، وَعَلَى الرُّكْبَةِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ هَذَا زَمَنُهُ قَلِيلٌ فَاغْتُفِرَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ دَفْعَ الصَّائِلِ، وَهُوَ عُذْرٌ فِي ارْتِكَابِ مَا لَا يُعْذَرُ فِي فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ الْيُسْرَى) وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِظَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ عَادَةً كَذَا قِيلَ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِوَضْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى إلَخْ، قَدْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْأَوْجَهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ الْيَسَارِ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ» نَصُّهَا: أَيْ ظَهْرَ كَفِّ يُسْرَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ، وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ، وَأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْيَمِينِ، قِيلَ لَكِنَّهُ يَجْعَلُ بَطْنَهُ عَلَى فِيهِ عَكْسِ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: الْأَمْرُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى فَمِهِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ وَضْعُهَا عَلَيْهِ إذَا انْفَتَحَ بِالتَّثَاؤُبِ أَوْ وَضْعُهَا عَلَى الْفَمِ الْمُنْطَبِقِ حِفْظًا لَهُ عَنْ الِانْفِتَاحِ بِسَبَبِ ذَلِكَ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.

أَقُولُ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ، أَمَّا لَوْ رَدَّهُ فَارْتَدَّ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِعَانَةِ بِالْيَدِ مَعَ انْتِفَائِهِ بِدُونِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ إذَا رَآهَا) أَيْ يَدَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُوَجَّهُ مَا قَالُوهُ) أَيْ مِنْ سَنِّ الْيَسَارِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ) أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ لِلْجَامِعِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ» نَصُّهَا: وَفِيهِ كَرَاهَةُ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيَّةِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَنْ يَجْرِيَ مَعَهُ، وَإِلَّا فَدَفْعُهُ وَرَدُّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الصَّلَاةَ فِي الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى الْأَحْوَالِ بِهِ. اهـ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَتَثَاءَبْت بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْت انْتَهَى. أَيْ فَإِنَّهُ عَامِّيٌّ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ نَحْوِ الْحَصَى) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ تَشْوِيهٌ كَانَ كَأَنْ يَعْلَقَ مِنْ الْمَوْضِعِ تُرَابٌ بِجَبْهَتِهِ أَوْ عِمَامَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِضِيقِ الْخُفِّ) عِبَارَةُ حَجّ: أَيْ بِالرِّيحِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الشَّارِحِ وَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَاقِمًا) أَيْ أَوْ صَافِنًا، وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى رَجُلٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْ صَافِدًا، وَهُوَ الْوُقُوفُ لَاصِقًا لِلْقَدَمَيْنِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسَعًا) أَيْ فَإِنْ ضَاقَ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ مَعَ ذَلِكَ إلَّا إنْ خَافَ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً،

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي حَالِ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يَسْتُرُهُ الْخَاتَمُ مِنْ الْيَدِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَسْتُرُهُ الْجِلْدَةُ.

(قَوْلُهُ: فَأَيُّ وَاحِدَةٍ نَحَّى بِهَا) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: رَدَّ بِهَا أَوْ وَضَعَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إذْ لَا تَنْحِيَةَ كَمَا قَرَّرَهُ (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ مُسْتَقْذَرٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَنْحِيَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>