مِنْ مُبَاحِ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا فَلَا يَكُونُ التَّوَجُّهُ شَرْطًا.
نَعَمْ إنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَيَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَوَجَّهُ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ (وَ) إلَّا فِي (نَفْلِ السَّفَرِ) الْمُبَاحِ لِمَنْ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ وَلَوْ عِيدًا أَوْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ الْحَضَرُ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّرَدُّدِ كَالسَّفَرِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (فَلِلْمُسَافِرِ) السَّفَرَ الْمَذْكُورَ (التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ " وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] وَقِيسَ بِالرَّاكِبِ وَالْمَاشِي، لِأَنَّ الْمَشْيَ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ، وَأَيْضًا اسْتَوَيَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَكَذَا فِي النَّافِلَةِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَرَطْنَا فِيهَا الِاسْتِقْبَالَ لِلتَّنَفُّلِ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مُعَايَشَتِهِمْ، وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا دَوَامُ السَّفَر، فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا، وَقَدْ يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ رَاكِبَ السَّفِينَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَيْثُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهِ مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوَانْقِطَاعًا عَنْ الرِّفْقَةِ كَانَ عَاجِزًا وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ فَرْضًا أَوَنَفْلًا (قَوْلُهُ: اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْحِرَافِ لَا يَضُرُّ.
وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: يَنْبَغِي وَأَنْ لَا يَحْصُلَ فِعْلٌ مُبْطِلٌ اهـ أَيْ وَهُوَ صَادِقٌ بِالِانْحِرَافِ فَيَضُرُّ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَخْرُجُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ يُصَلِّيهَا مَاكِثًا فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) أَيْ وَيُعِيدُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ عَنْ م ر (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِيدًا) أَخَذَهُ غَايَةً لِلْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ) .
[فَرْعٌ] نَذَرَ إتْمَامِ كُلِّ نَفْلٍ شُرِعَ فِيهِ، فَشُرِعَ فِي السَّفَرِ فِي نَافِلَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِقْرَارُ يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهَا لَمْ تَخْرُجُ، عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا وَمِنْ ثُمَّ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضِ عَيْنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا لَوْ فَسَدَتْ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فَهَلْ لَهُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلُهَا لِذَاتِهِ بَلْ إنَّمَا وَجَبَ وَسِيلَةً لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَسَّرَ، بِهِ) أَيْ بِالتَّوَجُّهِ فِي نَفْلِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَوْلُهُ وَالْعَدْوُ، زَادَ حَجّ وَالْإِعْدَاءِ وَتَحْرِيكِ الرِّجْلِ بِلَا حَاجَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا) أَيْ أَوْ وَصَلَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي وحج هُنَا. وَعِبَارَتُهُ: فَلَوْ بَلَغَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ أَوْ طَرَفَ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَاهَا مَاكِثًا بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لَهَا نَزَلَ وَأَتَمَّهَا بِأَرْكَانِهَا لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يُمْكِنُهُ، ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ اسْتِقْبَالُ رَاكِبِ السَّفِينَةِ إلَّا الْمَلَّاحَ وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِهَا فَإِنَّهُ يَتَنَفَّلُ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَّا فِي التَّحَرُّمِ إنْ سَهُلَ، وَلَا إتْمَامُ الْأَرْكَانِ وَإِنْ سَهُلَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ عَنْ عَمَلِهِ اهـ حَجّ بِحُرُوفِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَسِيرُ بَعْدَهُ بَلْ يَنْزِلُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمَحَطُّ مُتَّسِعًا وَوَصَلَ إلَيْهِ يَتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِ خُصُوصِ مَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَرْضِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْبُعْدِ فَالْمُسَامَتَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقَةٌ لَا مُحْتَمَلَةٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مِنْ مُبَاحِ قِتَالٍ) لَعَلَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا إلَخْ)