للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَزَلَ {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فَتَحَوَّلَ» ، وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ لِلْكَعْبَةِ الْعَصْرُ» أَيْ كَامِلَةً وَكَانَ التَّحْوِيلُ فِي رَجَبٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْقَادِرِ عَنْ الْعَاجِزِ كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَمَّنْ يُوَجِّهُهُ وَمَرْبُوطٌ عَلَى خَشَبَةٍ وَغَرِيقٌ عَلَى لَوْحٍ يَخَافُ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ الْغَرَقَ، وَمَنْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ عَلَى الْأَصَحِّ لِنُدْرَتِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ دَلِيلُ الِاشْتِرَاطِ: أَيْ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقَادِرِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا دَلِيلَ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَخْدِشُ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِنْ جِبْرِيلَ.

وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مُرَاجَعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِنَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ الْمَقَامَ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَب مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُنَاجَاةَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: «وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّحَوُّلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَفِي النُّورِ مَا نَصَّهُ: الْخَامِسَةُ أَيْ مِنْ الْفَوَائِدِ فِي أَيِّ رَكْعَةٍ وَقَعَ التَّحَوُّلُ.

الْجَوَابُ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ.

السَّادِسَةُ: فِي أَيِّ رُكْنٍ وَقَعَ الْجَوَابُ فِي الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

وَعَلَيْهِ فَمَنْ قَالَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَكْعَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الرُّكُوعَ لَمَّا كَانَتْ تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ لِلْمَسْبُوقِ وَكَانَ التَّحْوِيلُ فِيهِ جَعْلُ الرَّكْعَةِ كُلِّهَا لِلْكَعْبَةِ مَعَ أَنَّ قِيَامَهَا وَقِرَاءَتَهَا وَابْتِدَاءَ رُكُوعِهَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ (قَوْلُهُ: فَتَحَوَّلَ) وَلَمْ يُبَيِّنُوا مَا فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ هَلْ تَحَوَّلُوا فِي أَمْكَنَتْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَأَخُّرٍ أَمْ تَأَخَّرُوا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ فِي مَبْحَثِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مَا نَصُّهُ: «فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ» ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَقَامِهِ فِي مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ إلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ بِالْمَدِينَةِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ مَكَانُهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتْ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ: أَيْ كَالْحُكْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ وَهُوَ إبَاحَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اُغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْدَ التَّحْوِيلِ بَلْ وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً (قَوْلُهُ: أَيْ كَامِلَةً) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَانَ التَّحَوُّلُ فِي رَجَبٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَخْ) الْجَزْمُ بِكَوْنِ التَّحَوُّلِ فِي رَجَبٍ مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْمُدَّةِ أَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ يُفِيدُ أَنَّ فِي وَقْتِ الْهِجْرَةِ خِلَافًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَمَّنْ يُوَجِّهُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ.

لَا يُقَالُ: هُوَ عَاجِزٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الطَّلَبُ.

لِأَنَّا نَقُولُ: يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِمَأْذُونِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا لَيْسَ خَارِجًا بِالْقَادِرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَادِرُ حَسًّا بِدَلِيلِ اسْتِثْنَاءِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَكَانَ الْأَوْلَى إدْخَالُ مَا ذُكِرَ فِيهِ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَتْ الْإِعَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ وَاجِبَةً بِخِلَافِ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَمْ يَدْخُلْهَا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرِّفْقَةِ) أَيْ إذَا اسْتَوْحَشَ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ سَائِرَةٍ فَلَا (قَوْلُهُ: عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، وَقِيَاسًا مَا تَقَدَّمَ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوُهُ أَنَّهُ إنْ رَجَا زَوَالَ الْعُذْرِ لَا يُصَلِّي إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَهُ صَلَّى فِي أَوَّلِهِ، ثُمَّ إنْ زَالَ بَعُدَ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ كَانَتْ فَائِتَةً بِعُذْرٍ فَيُنْدَبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا، وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلهَا قَبْلَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ الْفَوَائِتِ (قَوْله فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّقْيِيدِ) الْأَوْلَى فَلَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِإِخْرَاجِهِ مَا هُوَ دَاخِلٌ حَيْثُ جُعِلَ شَرْطًا فِي الْعَاجِزِ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: يَخْدِشُ ذَلِكَ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>