للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوصَى بِهِ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» أَيْ مَا الْحَزْمُ أَوْ الْمَعْرُوفُ إلَّا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ، وَقَدْ تُبَاحُ كَمَا يَأْتِي. وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدُ قُرْبَةٍ: أَيْ دَائِمًا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ. وَتَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ نَحْوُ مَرَضٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَكِنْ يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَطَلْقُ حَامِلٍ مَا يُصَرِّحُ بِتَقْيِيدِ الْوُجُوبِ بِالْمَخُوفِ وَنَحْوِهِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا ضَيَاعُ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِعِلْمِ الْوَرَثَةِ أَوْ ضَيَاعُ نَحْوِ أَطْفَالِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِيصَاءِ، وَتَحْرُمُ لِمَنْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَهُ شَيْءٌ فِي تَرِكَتِهِ أَفْسَدَهَا وَتُكْرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا يَأْتِي.

وَأَرْكَانُهَا: مُوصِي وَمُوصَى لَهُ وَبِهِ وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَقَالَ (تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ مُخْتَارٍ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِالْأَمَانِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ وَعَتَقَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا يَصِحُّ سَائِرُ عُقُودِهِ وَمَا نُظِرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا زِيَادَةُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ كَوْنُهَا عَقْدًا مَالِيًّا لَا خُصُوصَ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ صَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ وَيَأْتِي فِي الرِّدَّةِ أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ، وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ لِبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَحْجُورِ، وَإِنْ أَتَى فِيهِ خِلَافٌ آخَرُ مُخَرَّجٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَعُودُ الْحَجْرُ بِطُرُوِّ السَّفَهِ مِنْ غَيْرِ حَجْرِ حَاكِمٍ أَوْ لَا؟ . فَقَالَ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ نَافِذًا وَلِاحْتِيَاجِهِ لِلثَّوَابِ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِمَا (لَا) (مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ) أَيْ لَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَالَ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: مَا بِمَعْنَى لَيْسَ، وَقَوْلُهُ: يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِامْرِئٍ وَيُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرُهُ.

قَالَ الْمَظْهَرِيُّ: قَيْدُ لَيْلَتَيْنِ تَأْكِيدٌ وَلَيْسَ بِتَحْدِيدٍ: يَعْنِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ. أَقُولُ: فِي تَخْصِيصِ لَيْلَتَيْنِ تَسَامُحٌ فِي إرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً، وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُبَاحُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي فَكِّ أَسْرَى الْكُفَّارِ، وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ إسْلَامِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: مَا يُصَرَّحُ بِتَقْيِيدِ الْوُجُوبِ) إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَطْفَالِهِ) كَالْمَجَانِينِ (قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ) أَيْ وَتَصِحُّ (قَوْلُهُ: أَفْسَدَهَا) أَيْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَصْرِفُ الْمُوصَى بِهِ فِي مَعْصِيَةٍ فَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ وَتَصِحُّ.

(قَوْلُهُ: مُخْتَارٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ) قَيْدٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ مُكَلَّفٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَالُهُ) أَيْ وَالْحَالُّ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَنَا بِالْأَمَانِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ عِنْدَنَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ صَارَ مَالُهُ عِنْدَنَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ أَسْلَمَ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَرَزُوا بِهِ لَوْ كَانَ مَالُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَبَقِيَ فِيهَا (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا عَمَلَ لَهُ) أَيْ الْكَافِرُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ إلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَعُودُ الْحَجْرُ بِطُرُوِّ السَّفَهِ إلَخْ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ بِدُونِ حَجْرِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا) دَعْوَى الْجَزْمِ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَتَى فِيهِ خِلَافٌ إلَخْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: فَالسَّفِيهُ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ الطَّرِيقِ الثَّانِي لِلْحَجَرِ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِهِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى التَّبَرُّعِ

(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَاحْتَرَزَ عَنْ السَّفِيهِ الَّذِي لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، إلَّا عَلَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَجْرَ يَعُودُ بِنَفْسِ التَّبْذِيرِ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمٍ فَيَكُونُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>