للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَكَ بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ» وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لَكِنْ قَالَ جَمْعٌ: إنَّهُ غَرِيبٌ، بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا. .

ثُمَّ النُّسُكُ: إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِشَرْطِهِ أَوْ كِفَايَةٍ لِلْأَحْيَاءِ أَوْ تَطَوُّعٍ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ.

نَعَمْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ بِفِعْلِهِمْ الْحَرَجُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي إيضَاحِهِ اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ فِيمَنْ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الْفَرْضُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْفَرْضِ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ، بَلْ الْفَرْضُ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً (هُوَ فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ بِالشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَفُرِضَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي السِّيَرِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّهُ سَنَةَ خَمْسٍ، وَجَمَعَ بَيْن الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ قَدْ تَنْزِلُ وَيَتَأَخَّرُ الْإِيجَابُ عَلَى الْأُمَّةِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤] فَإِنَّهَا آيَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مَدَنِيَّةٌ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ سِوَى مَرَّةِ فِي الْعُمْرِ، وَيَجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ.

(وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ، وَلِخَبَرِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا) مُعْتَمَدٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ مَنْدُوبًا

(قَوْلُهُ: فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصَّبِيَّانِ) أَيْ وَالْمَجَانِينِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْله اعْتِبَارُ التَّكْلِيفِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) وَحَجّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ حُجَجًا لَا يُدْرَى عَدَدُهَا، وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ حُجَجًا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الْحَجِّ الشَّرْعِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيءِ وَغَيْرِهِ بَلْ قِيلَ فِي حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّاسِعَةِ ذَلِكَ لَكِنْ الْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَجٍّ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا يُقَال فِي الثَّامِنَةِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدَ أَمِيرَ مَكَّةَ وَبَعْدَهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ لَا غَيْرُ اهـ حَجّ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: وَحَجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ قَضِيَّةُ صَنِيعِهِ أَنَّ حَجَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ حَجًّا شَرْعِيًّا، وَهُوَ مُشَكِّلٌ جِدًّا اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ لَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ فَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَيُحْمَلُ قَوْلَ حَجّ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ إلَخْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَوَانِينِ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.

وَأَمَّا فِعْلُهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِوَحْيٍ بَلْ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَكُنْ شَرْعِيًّا بِهَذَا الْمَعْنَى لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْعٍ إذْ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مَصُونًا كَسَائِرِ أَفْعَالِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلَةِ.

(وَقَوْلُهُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) يُشَكِّلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ مَكَّةَ إنَّمَا فُتِحَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ، فَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ فِي التَّاسِعَةِ وَحَجَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْعَاشِرَةِ، وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ عَنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ قَدْ تَنْزِلُ وَيَتَأَخَّرُ الْإِيجَابُ، لَكِنْ فِي كَلَامِ الزِّيَادِيِّ مَا يُخَالِفُ هَذَا الْجَوَابَ حَيْثُ قَالَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ بِأَنَّ الْفَرْضَ وَقَعَ سَنَةَ خَمْسِ، وَالطَّلَبُ إنَّمَا تَوَجَّهَ سَنَةُ سِتٍّ، وَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ سَنَةِ تِسْعٍ فَحَجَّ بِالنَّاسِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ كَلَامِ الزِّيَادِيِّ بِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِوُجُوبِ الْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا يَأْتِي وَهِيَ لَمْ تَحْصُلْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَعَدَمُ فِعْلِهِمْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ لَا لِعَدَمِ الطَّلَبِ

(قَوْلُهُ: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَتِمَّ بِهَا الِاسْتِدْلَال فَإِنَّ ظَاهِرَهَا وُجُوبُ الْإِتْمَامِ إذَا شَرَعَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبُ الشَّرْعِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>