للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. وَأَمَّا خَبَرُ «سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ

وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أَغْنَى الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا حَطَّ عَنْهُ إلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ تَخْفِيفًا، فَأَغْنَى عَنْ بَدَنِهِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ. وَالْعُمْرَةُ لُغَةً: الزِّيَارَةُ. وَشَرْعًا: قَصْدُ الْبَيْتِ لِلْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ أَوْ نَفْسِ الْأَفْعَالِ كَمَا مَرَّ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الْعُمْرِ سِوَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ وَصَحَّ «عَنْ سُرَاقَةَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» أَوْ وُجُوبُهُمَا مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءِ عَلَى التَّرَاخِي فَلِمَنْ وَجَبَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ تَأْخِيرُهُمَا بَعْدَ سَنَةِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ وَمَعَهُ مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ بِهِمْ، وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ وَتَضْيِيقُهُمَا بِنَذْرٍ أَوْ خَوْفِ عَضْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ قَضَاءِ عَارِضٍ، ثُمَّ مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمَا الرِّدَّةُ بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ وَإِنْ أَحْبَطَتْ ثَوَابَ الْعَمَلِ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَصِيرُ عَلَيْهِ إنْ شَرَعْتُمْ فَأَتَمُّوا (قَوْلُهُ: قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ) بِفَتْحِ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ وَهِيَ وَمَا بَعْدهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ خَيْرٌ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَإِنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا قَوْلُهُ فَهُوَ أَفْضَلُ فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أَعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمُحَدِّثِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُحَدِّثَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدِّثْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلٌ مَا دَامَتْ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ، وَمِنْهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِكُلِّ صَلَاةٍ الْمُرَادُ بِهَا عَلَى الْمُحَدِّثِ (قَوْلُهُ: لُغَةً الزِّيَارَةُ) وَقِيلَ الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرَ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ رَجُلٌ) هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، هَكَذَا رَأَيْته بِهَامِشِ صَحِيحٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ فِي حَجِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا) أَيْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» ) أَيْ الْحَجُّ، وَفِي الْمَنْهَجِ لَوَجَبَتْ: أَيْ الْخَصْلَةُ أَوْ الْفَرِيضَةُ، ثُمَّ قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَرِّعٌ لَا مُوجِبٌ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ» أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ: أَيْ مُقْتَضَاهَا وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ، وَلَعَلَّهُ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ كُلَّ عَامٍ مُعَلَّقًا عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَسِيَاقُهُ، فَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلَّ عَامٍ عَلَى الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ وُجُوبِهِ كُلَّ عَامٍ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ نَعَمْ لَوَجَبَ لَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا الْوَهْمُ فَلْيَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَمَعَهُ مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ بِهِمْ) فِيهِ أَنَّ مَكَّةَ إنَّمَا فُتِحَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْحَجِّ فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ نَعَمْ فِي عَدَمِ حَجِّهِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعٍ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ (قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَ مَالٌ) بِقَرِينَةٍ وَلَوْ ضَعِيفَةٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: إنْ عَزَمَ عَلَى فِعْلِهِمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَبَنَا إلَخْ) هَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ لِلْعُمْرَةِ فَكَانَ الصَّوَابُ ذِكْرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ سِوَى مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ) أَيْ أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ فَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّكْلِيفِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>