للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِرُكُوبِهِ الْبَحْرِ أَوْ بِغُرْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِالْإِبَاحَةِ أَوْ طَلْقٍ وَلَوْ مِنْ حَمْلِ زِنًا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْحَامِلَ الْمَذْكُورَةَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ لِيَشْرَبَ الْخَمْرَ وَمَنْ سَافَرَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَوْتُ مَعْصِيَةً كَأَنْ تَسَبَّبَتْ فِي إلْقَاءِ الْحَمْلِ فَمَاتَتْ أَوْ رَكِبَ الْبَحْرَ وَسَيَّرَ السَّفِينَةَ فِي وَقْتٍ لَا تَسِيرُ فِيهِ السُّفُنُ فَغَرِقَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الشَّهَادَةُ لِلْعِصْيَانِ بِالسَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعِصْيَانِ بِالْمُسَبِّبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَعْصِيَةً حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ قَارَنَهَا مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عِشْقٍ بِشَرْطِ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِذَلِكَ لِخَبَرٍ فِيهِ مَوْقُوفٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ إبَاحَةُ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَتَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا.

قَالَ: وَإِلَّا فَعِشْقُ الْأَمْرَدِ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ تَرْكِهِ وَتَمَادَى عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ فُرِضَ حُصُولُ عِشْقٍ اضْطِرَارِيٍّ لَهُ بِحَيْثُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ تَرْكِهِ لَمْ يَمْنَعْ حُصُولَ الشَّهَادَةِ، إذْ لَا مَعْصِيَةَ بِهِ حِينَئِذٍ.

وَأَمَّا شَهِيدُ الدُّنْيَا فَقَطْ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوَهُ.

وَأَمَّا شَهِيدُهُمَا فَهُوَ مَنْ قُتِلَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَحَيْثُ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ الشَّهِيدَ انْصَرَفَ لِأَحَدِ الْآخَرِينَ، وَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ يُحْرَمَانِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَمْ يُصَلَّ " بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ، وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ أَوْ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَيْضًا إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْمَطْعُونِينَ بِأَنْ كَانَ الطَّعْنُ فِي الْأَطْفَالِ أَوْ الْأَرِقَّاءِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي لَأَصْحَابُ الْفُرُشُ» مَا نَصُّهُ: أَيْ الَّذِينَ يَأْلَفُونَ النِّيَامَ عَلَى الْفِرَاشِ وَلَا يُهَاجِرُونَ الْفِرَاشَ وَيَقْصِدُونَ لِلْغَزْوِ، قَالَ الْحَكِيمُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ إلَى رَبِّهِمْ وَشُغِلُوا بِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَتَمَنَّوْا لِقَائِهِ، فَإِذَا حَضَرَهُمْ الْمَوْتُ جَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ طَوْعًا وَبَذَلُوهَا لَهُ إيثَارًا لِمَحَبَّتِهِ عَلَى مَحَبَّتِهَا فَهُمْ وَمَنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ سِيَّانَ، فَيَنَالُونَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّ الشُّهَدَاءَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَهَؤُلَاءِ بَذَلُوهَا طُولَ الْعُمُرِ، ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: عَدُّوا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّهُمْ يُقْبَضُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ اهـ.

وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَلَا يُهَاجِرُونَ الْفِرَاشَ إلَخْ: يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ مَنَازِلَهُمْ لِلسَّفَرِ فِي تِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا بَلْ يُلَازِمُونَ الْمَنَازِلَ يَنْتَظِرُونَ الْغَزْوَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى) أَيْ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: فَغَرَقَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الشَّهَادَةُ) وَمِنْهُ مَا لَوْ صَادَ حَيَّةً وَهُوَ لَيْسَ حَاذِقًا فِي صَيْدِهَا وَنَحْوُ الْبَهْلَوَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاذِقًا فِي صَنْعَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَاذِقِ فِيهِمَا فَإِنَّهُ شَهِيدٌ لِعَدَمِ تَسَبُّبِهِ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ يَتَصَوَّرُ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا لَهُ) وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْ إبَاحَةَ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ وُصُولُهُ إلَيْهَا كَعِشْقِ الْمُرْدِ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُرْدِ وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ كَانَ الْفَرْضُ الْعِفَّةَ وَالْكِتْمَانَ، بَلْ قَالَ طب وم ر: وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ الْمُؤَدِّي إلَى عِشْقِ الْأَمْرَدِ اخْتِيَارِيًّا حَيْثُ صَارَ اضْطِرَارِيًّا وَعَفَّ وَكَتَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى الْعِفَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَى بِهِ حَصَلَ بَيْنَهُمَا فَاحِشَةٌ بَلْ عَزْمُهُ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَلَا بِهِ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالْكِتْمَانُ: أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا بِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ مَحْبُوبِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ سَرَقَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مَنْ قُتِلَ كَذَلِكَ) أَيْ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ) أَيْ وَأَمَّا مَنْ اُسْتُشْهِدَ قَبْلَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ بَدْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِمْ عَنْهُ غُسْلٌ وَلَا عَدَمُهُ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتَقَيَّدُونَ بِأَمْرِهِمْ.

وَأَمَّا أُحُدٌ فَلِشِدَّةِ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا، بَاشَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُقِلَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كَلْمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ الْكَلْمَ هُوَ الْجُرْحُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>