للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ حَجَرٌ وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنْ يُنَحَّى الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ (وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَذَا غَيْرُهُ (بِلَبِنٍ) وَهُوَ طُوبٌ لَمْ يُحْرَقْ وَنَحْوِهِ كَطِينٍ لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عَنْ نَبْشِهِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعٌ (وَيَحْثُو) بِيَدَيْهِ جَمِيعًا (مَنْ دَنَا) مِنْ الْقَبْرِ (ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ وَيَكُونُ الْحَثْيُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّثِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إسْرَاعِ الدَّفْنِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْغَرَضِ وَإِظْهَارِ الرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَصْلَ سَدِّ اللَّحْدِ مَنْدُوبٌ كَسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ، فَيَجُوزُ إهَالَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَدٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ لَكِنْ بَحَثَ آخَرُونَ وُجُوبَ السَّدِّ كَمَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مِنْ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْآنَ، فَتَحْرُمُ تِلْكَ الْإِهَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِزْرَاءِ وَهَتْكِ الْحُرْمَةِ، وَإِذَا حَرَّمْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ كَكَبِّهِ عَلَى وَجْهِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ فَهَذَا أَوْلَى اهـ.

وَيُجْرَى مَا ذُكِرَ فِي تَسْقِيفِ الشَّقِّ وَفِي الْجَوَاهِرِ: لَوْ انْهَدَمَ الْقَبْرُ تَخَيَّرَ الْوَلِيُّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتَيَسَّرْ دَفْنُهُ إلَّا مَعَ الذِّمِّيِّينَ (قَوْلُهُ: وَيُفْضَى) أَيْ نَدْبًا بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ.

قَالَ حَجّ: وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَ النَّوْمِ يَضَعُ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَيُحْتَمَلُ دُخُولُهَا فِي نَحْوِ اللَّبِنَةِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الذُّلَّ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ اللَّبِنَةِ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَيُسَدَّ فَتْحُ اللَّحْدِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: بِلَبِنٍ) أَيْ نَدْبًا.

[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا لَبِنٌ لِغَائِبٍ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُهُ كَمَا فِي الِاضْطِرَارِ؟ لَا يُبْعَدُ الْجَوَازُ إذَا تَوَقَّفَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِيهِ كَلَامًا لحج فِي فَتَاوِيهِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَيَحْثُو بِيَدَيْهِ جَمِيعًا) أَيْ بَعْدَ سَدِّ اللَّحْدِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مَنْبُوشَةً وَهُنَاكَ رُطُوبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَدْفُونُ.

[فَرْعٌ] لَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ فِي غَيْرِ لَحْدٍ وَلَا شَقٍّ وَأُهِيلَ التُّرَابُ عَلَى جُثَّتِهِ فَالْوَجْهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِهِ وَانْتِهَاكًا لِحُرْمَتِهِ.

ثُمَّ رَأَيْت م ر أَفْتَى بِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَبَلَغَنِي مِنْ ثِقَةٍ أَنَّ شَيْخَنَا الشِّهَابَ بِرّ كَانَ يَقُولُ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

[فَائِدَةٌ] وُجِدَ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ الْعَلَوِيِّ وَذَكَرَ أَنَّهُ وُجِدَ بِخَطِّ وَالِدِهِ قَالَ: وَجَدْت مَا مِثْلُهُ حَدَّثَنِي الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْحَافِظُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِزَاوِيَتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ حَالَ الدَّفْنِ بِيَدِهِ أَيْ حَالَ إرَادَتِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١] سَبْعَ مَرَّاتٍ وَجَعَلَهُ مَعَ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ أَوْ قَبْرِهِ لَمْ يُعَذَّبْ ذَلِكَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ» اهـ عَلْقَمِيٌّ، وَيَنْبَغِي أَوْلَوِيَّةُ كَوْنِهِ فِي الْقَبْرِ: أَيْ التُّرَابِ إذَا كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مَنْبُوشَةً لَا فِي الْكَفَنِ (قَوْلُهُ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ) وَلَعَلَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ تُرَابِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَبَقِيَ مَا لَوْ فَقَدَ التُّرَابَ فَهَلْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: فَهَذَا أَوْلَى) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ التُّرَابُ إلَى جَسَدِ الْمَيِّتِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ يَصِلُ التُّرَابُ إلَى جَسَدِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْهُ فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ وَأَنْ يُسَدَّ اللَّحْدُ إلَخْ، أَمَّا أَصْلُ السَّدِّ فَوَاجِبٌ إنْ أَدَّى عَدَمُهُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ) تَبِعَ فِيهِ شَرْحَ الرَّوْضِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ فِي كَلَامِهِ، بِخِلَافِ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَصْلَ سَدِّ اللَّحْدِ مَنْدُوبٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُخْتَارُ الشَّارِحِ لِتَقْدِيمِهِ إيَّاهُ عَلَى مُقَابِلِهِ وَبِقَرِينَةِ جَزْمِهِ فِيمَا قَدَّمَهُ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُسْنِدُ وَجْهَهُ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ سم نَقَلَ عَنْ إفْتَاءِ الشَّارِحِ حُرْمَةَ الْإِهَالَةِ الْآيَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>