للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَعْدَهُ) أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ، وَلِشِدَّةِ حُزْنِهِمْ حِينَئِذٍ بِالْمُفَارَقَةِ.

نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ جَزَعُهُمْ اُخْتِيرَ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ وَتَمْتَدُّ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا فَتُكْرَهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ، وَقَدْ جَعَلَهَا النَّبِيُّ نِهَايَةَ الْحُزْنِ بِقَوْلِي لَهُ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْ هُنَا كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ أَبِي الدَّمِ وَالْغَزَالِيُّ فِي خُلَاصَتِهِ وَالصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَالْإِقْنَاعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ الدَّفْنِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّعْزِيَةِ مِنْهُ أَيْضًا لَا مِنْ الْمَوْتِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ اهـ.

وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرُهُ لِلْحَنَابِلَةِ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَاضِرٍ، أَمَّا عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي أَوْ مَرَضِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا كُلُّ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَتَبْقَى إلَى الْقُدُومِ وَالْعِلْمِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، وَبَحَثَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ امْتِدَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَارْتَضَاهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَحْصُلُ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْحَاضِرُ الْمَعْذُورُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَقْفَةٌ (وَيُعَزَّى) بِفَتْحِ الزَّايِ (الْمُسْلِمُ) أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: ٥] (وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ (وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) لِكَوْنِهِ لَائِقًا بِالْحَالِ، وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَوَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّى مُعَاذًا بِابْنٍ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الْأَجْرَ وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ وَرَزَقَنَا وَإِيَّاكَ الشُّكْرَ» وَمِنْ أَحْسَنِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى» وَقَدْ أَرْسَلَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنَتِهِ لَمَّا أَرْسَلَتْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ابْنَهَا فِي الْمَوْتِ (وَ) يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْكَافِرِ) الذِّمِّيِّ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبْرَك) وَأَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ، ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِكَوْنِهِ لَائِقًا بِالْحَالِ.

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إذَا احْتَمَلَ حُدُوثُ مِثْلِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك بِالْهَمْزِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَ مَا ذَهَبَ مِنْك، وَإِلَّا خَلَفَ عَلَيْك: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك مِنْ فَقْدِهِ، وَلَا يَقُولُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِك؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ (وَ) يُعَزَّى (الْكَافِرُ) أَيْ الْمُحْتَرَمُ جَوَازًا مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا بِأَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ) أَيْ فَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ تُمِّمَ مِنْ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ: مُرَادُهُ بِهِ مَا قُلْنَا إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ هُنَا كَانَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَوْتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَاضِرٍ) أَيْ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَلَدِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْبَلَدِ مَا جَاوَرَهَا (قَوْلُهُ: وَارْتَضَاهُ الْإِسْنَوِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ) وَمِنْهُ الرَّقِيقُ (قَوْلُهُ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً) أَيْ تَسْلِيَةً وَقَوْلُهُ مِنْ كُلُّ مُصِيبَةٍ وَمِنْ بِمَعْنَى عِنْدَ.

(قَوْلُهُ: إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ) قَدَّمَهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ التَّسْلِيَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، لَكِنْ فِي حَجّ قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجِبُ غُسْلُ الْكَافِرِ مَا نَصُّهُ: وَيَظْهَرُ حِلُّ الدُّعَاءِ لَهُمْ: أَيْ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَيُعَزِّي الْكَافِرُ بِالْكَافِرِ جَوَازًا) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمُعَزِّي هُنَا الْمُحْتَرَمُ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْجَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>