للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْغُسْلِ (فَإِنْ رَأَى) الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ (خَيْرًا) كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ (ذَكَرَهُ) نَدْبًا لِيَكُونَ أَدْعَى إلَى كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ (أَوْ غَيْرَهُ) كَسَوَادٍ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ وَانْقِلَابِ صُورَةٍ (حَرُمَ ذِكْرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً» (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ فَلَا يَجِبُ سِتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْهَا، وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَتِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ يَنْزَجِرُونَ.

قَالَ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ الْمُبْتَدِعِ أَمَارَةَ خَيْرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُهَا لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ، بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بِهَا وَالْوُقُوعِ فِيهَا بِذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ (وَلَوْ) (تَنَازَعَ أَخَوَانِ) مَثَلًا (أَوْ زَوْجَتَانِ) أَيْ فِي الْغُسْلِ وَلَا مُرَجِّحَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا حَتْمًا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ غَسَّلَهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ (وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) أَيْ فِي تَجْهِيزِهِ مِنْ قَرِيبَةِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ

(وَيُكْرَهُ) لِلْمَرْأَةِ (الْكَفَنُ) الْمُزَعْفَرُ وَالْكَفَنُ (الْمُعَصْفَرُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ، أَمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُعَصْفَرُ وَيَحْرُمُ الْمُزَعْفَرُ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةَ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْمُزَعْفَرُ فَيُكْرَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَ) تُكْرَهُ (الْمُغَالَاةُ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ بِارْتِفَاعِ ثَمَنِهِ لِخَبَرِ «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغَتِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» أَيْ يَتَّخِذْهُ أَبْيَضَ نَظِيفًا سَابِغًا، وَلِخَبَرِ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» .

(وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لِلْبِلَى وَالصَّدِيدِ، وَالْحَيُّ أَحَقُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِهِ الْخَلَقِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي الْأَذَانِ مِنْ أَنَّ التَّوْلِيَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ نَصْبُهُ حَرَامًا أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَكَتَمَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا رَآهُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَاتِ السُّوءِ (قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً) أَيْ غَفَرَ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الذُّنُوبِ إلَى أَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا حَتْمًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ هُنَا بِذَلِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ

(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الْمُزَعْفَرُ) أَيْ حَيْثُ كَثُرَ الزَّعْفَرَانُ بِحَيْثُ يُسَمَّى مُزَعْفَرًا فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ، وَيَنْبَغِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَرَاهَةِ الْمُعَصْفَرِ.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ حُكْمِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مِصْرِنَا وَقُرَاهَا مِنْ جَعْلِ الْحِنَّاءِ فِي يَدَيْ الْمَيِّتِ وَرِجْلَيْهِ، وَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ، وَيُكْرَهُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: وَسُبُوغَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ سَابِلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ) فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اسْتِمْرَارُ الْأَكْفَانِ حَالَ تَزَاوُرِهِمْ وَهُوَ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقَدْ يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ أَنْ يُسْلَبَ سَلْبًا سَرِيعًا.

قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ يُسْلَبُ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا كَتَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُمْ إذَا تَزَاوَرُوا يَكُونُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي دُفِنُوا بِهَا وَأُمُورُ الْآخِرَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُعَصْفَرُ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَلَا مَحَلَّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَرْأَةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمَنْطُوقِ وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةَ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحٌ) يُقَالُ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ كَانَ اخْتِيَارُهُ عَدَمَ الْفَرْقِ، وَكَأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْمَرْأَةِ تَبَعًا لِمَنْ يَخْتَارُ الْحُرْمَةَ عَلَى الرِّجَالِ سَبْقُ نَظَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>