للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُبِشَ وَأُخْرِجَ مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْبِلَى، أَوْ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا فَيُنْبَشُ لِيَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَقَيَّدَهُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا لَمْ تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ دُفِنَ كَافِرٌ فِي الْحَرَمِ فَيُنْبَشُ، وَيُخْرَجُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ، وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ غَرِمَ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

فَلَوْ طَلَبَ إخْرَاجَ الْمَيِّتِ لِأَخْذِ ذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ إجَابَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُهُ لَوْ كَانَ الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ.

أَمَّا بَعْدَ الْبِلَى عِنْدَ مَنْ مَرَّ فَلَا يَحْرُمُ النَّبْشُ بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَتُهُ وَتَسْوِيَةُ تُرَابِهِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٍ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ عَنْ الدَّفْنِ فِيهِ لِظَنِّهِمْ بِهِ عَدَمَ الْبِلَى، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ بْنُ حَمْزَةَ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ مِمَّنْ اُشْتُهِرَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلَّا اُمْتُنِعَ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ، وَأَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ، إذْ قَضِيَّتُهُ جَوَازُ عِمَارَةِ قُبُورِهِمْ مَعَ الْجَزْمِ هُنَا بِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَعِمَارَتِهِ فِي الْمُسْبَلَةِ

(وَيُسَنُّ أَنْ تَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) "؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ " وَيُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ تَمَامِ دَفْنِهِ لِخَبَرِ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، فَإِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ» الْحَدِيثَ فَتَأْخِيرُ تَلْقِينِهِ لِمَا بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ أَقْرَبُ إلَى حَالَةِ سُؤَالِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا: شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا.

وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: يَا ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ دُعَاءُ النَّاسِ بِآبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْفِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي مَجْمُوعِهِ خَيَّرَ فَقَالَ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ، وَيَقِفُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّاهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَإِلَّا فَمِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ وَلَوْ مُرَاهِقًا وَمَجْنُونٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ تَكْلِيفٌ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ لِعَدَمِ افْتِتَانِهِمَا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ كَمَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْغَالِبُ عَدَمُ تَيَسُّرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهِ، وَإِنْ نَذَرَهُ لِمُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ مَنْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى شَخْصِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ عَادَةً إقَامَةُ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ فَإِنْ تَغَيَّرَتْ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ صُورَتِهِ لَوْ أُخْرِجَ لَمْ يُنْبَشْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَتَنَازَعَا فِيهِ وَحَيْثُ لَمْ يُنْبَشْ وُقِفَ إلَى الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَلْزَمْهُمْ إجَابَتُهُ) أَيْ وَيَجُوزُ فَيُنْبَشُ لِإِخْرَاجِهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا بَعْدَ الْبِلَى) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَقِيلَ بِلَاهُ عِنْدَ أَهْلٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ مَرَّ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ (قَوْلُهُ وَالصَّالِحِينَ) أَيْ وَالْعُلَمَاءِ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِعِمَارَةِ ذَلِكَ بِنَاءُ مَحَلِّ الْمَيِّتِ فَقَطْ لَا بِنَاءُ الْقِبَابِ وَنَحْوِهَا

(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ تَقِفَ جَمَاعَةٌ) أَيْ قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهَا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ) أَيْ كَأَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، فَلَوْ أَتَوْا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالذِّكْرِ عَلَى الْقَبْرِ لَمْ يَكُونُوا آتِينَ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ ثَوَابٌ عَلَى ذِكْرِهِمْ وَبَقِيَ إتْيَانُهُمْ بِهِ بَعْدَ سُؤَالِ التَّثْبِيتِ لَهُ هَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمِثْلُ الذِّكْرِ بِالْأَوْلَى الْأَذَانُ، فَلَوْ أَتَوْا بِهِ كَانُوا آتِينَ بِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلَقَّنُ طِفْلٌ) أَيْ لَا يُنْدَبُ تَلْقِينُهُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ وَأَفَادَ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ أَنَّ غَيْرَهُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُهُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ النَّبْشُ بِطَلَبِ الَّذِي كَفَّنَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ النَّبْشُ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ أَنَّ هَذَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى (قَوْلُهُ: أَمَّا بَعْدَ الْبِلَى) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَقَبْلَ بِلَائِهِ فِيمَا مَرَّ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَبْشُهُ بَعْدَ بِلَائِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>