وَحَمْلُهُ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ سِوَاهَا، وَالْمَسْأَلَةُ لَهَا خَمْسَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ كُلُّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ الْحِسَابَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ لَا يُوجَدَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (فَإِنْ وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا) تَامًّا مُجْزِيًا (أُخِذَ) مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ أَغْبَطَ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا يَجُوزُ الصُّعُودُ أَوْ النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِأُخِذَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَ الْمَفْقُودَ وَدَفَعَهُ لَا يُؤْخَذُ، وَتَعْبِيرُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ بِلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَغْبَطَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَهُ وَبَذَلَهُ أَجْزَأَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَفْقُودُ أَغْبَطَ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَاسَاهُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِابْنِ اللَّبُونِ لِفَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ فُقِدَا أَوْ وُجِدَا مَعِيبَيْنِ، أَوْ وُجِدَ بِمَالِهِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ وُجِدَا نَفِيسَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُمَا (فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ) مِنْهُمَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَغْبَطَ لِمَا فِي تَعَيُّنِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ، (وَقِيلَ يَجِبُ) تَحْصِيلُ (الْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ) إذْ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْعَدَمِ كَاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ الْأَغْبَطُ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلَهُ إلَى جَوَازِ تَرْكِهِمَا وَالنُّزُولِ أَوْ الصُّعُودِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا، وَيَصْعَدَ إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ فَيَدْفَعَهَا وَيَأْخُذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ أَوْ بَنَاتِ لَبُونٍ كَذَلِكَ، وَيَنْزِلَ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ فَيُخْرِجَهَا وَيَدْفَعَ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ، وَيُمْنَعُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدَ إلَى خَمْسِ جَذَعَاتٍ وَيَأْخُذَ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ، كَمَا يُمْتَنَعُ جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا وَيَنْزِلُ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ ثَمَانِ جُبْرَانَاتٍ لِكَثْرَةِ الْجُبْرَانِ مَعَ إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وُجِدَ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا فَيَدْفَعُهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ، أَوْ جَعْلُ بَنَاتُ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيَدْفَعُهَا مَعَ حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا.
وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتَ اللَّبُونُ مَعَ الْجُبْرَانِ مَقَامَ حِقَّةٍ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّةً دَفَعَهَا مَعَ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَأَخَذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ الْأَوَّلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْجَدِيدِ وَحَمْلِ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْحِقَاقُ اهـ.
وَهِيَ أَظْهَرُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَهُ وَبَذَلَهُ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ آخَرَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بَعْضُ الْآخَرِ اتَّحَدَ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ وُجِدَ بِمَالِهِ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْأَغْبَطِ مَعَ عَدَمِهِ مَشَقَّةً عَلَى الْمَالِكِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي دَفْعِهِ حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا (قَوْلُهُ: وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَ
[حاشية الرشيدي]
حَاجَةَ لِقَوْلِهِ أَوْ وَارِثِهِ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ لَوْ مَلَكَهَا عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْوَارِثُ يُخْرِجُ مَا كَانَ لَزِمَ الْمُورَثَ وَأَخَّرَ إخْرَاجَهُ، وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ أَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ بِأَنْ كَانَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ دُونَ ذَلِكَ السِّنِّ
(قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ) غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْخِلَافِ، وَحَاصِلُ الصَّوَابِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا، فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي حِكَايَةِ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُمَا قَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْجَدِيدِ وَنَفَى الْخِلَافَ، وَحَمَلَ الْقَدِيمَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: إذَا بَلَغَتْ مَاشِيَتُهُ حَدًّا يَخْرُجُ فَرْضُهُ بِحِسَابَيْنِ كَمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ الْوَاجِبُ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ؟ قَالَ فِي الْقَدِيمِ الْحِقَاقُ وَفِي الْجَدِيدِ أَحَدُهُمَا.
قَالَ الْأَصْحَابُ: فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي الْحِقَاقُ، وَالطَّرِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute