أَوْ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ (أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَوْ وُهِبَ لَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْعُشْرِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» فَشَمِلَ مَا لَوْ قُصِدَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الزَّرْعِ السَّقْيُ بِأَحَدِ الْمَاءَيْنِ، ثُمَّ حَصَلَ السَّقْيُ بِالْآخَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فِي الْبَعْلِ الْعُشْرُ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كَثْرَةُ الْمُؤْنَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ بِالنَّظَرِ لِلْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ بَيْنَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَذَاتِ الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِمَا لِعُمُومِ الْإِخْبَارِ وَخَبَرِ «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ضَعِيفٌ، وَتَكُونُ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً إذَا فَتَحَهَا الْإِمَامُ عَنْوَةً، ثُمَّ تَعَوَّضَهَا مِنْ الْغَانِمِينَ وَوَقَفَهَا عَلَيْنَا، وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا أَوْ فَتَحَهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَنَا وَيَسْكُنَهَا الْكُفَّارُ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ أُجْرَةٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ، فَإِنْ سَكَنُوهَا بِهِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ هِيَ لَنَا كَانَ جِزْيَةً تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ، وَالْأَرَاضِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ يُحْكَمُ بِجَوَازِ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِحَقٍّ، وَيُحْكَمُ بِمِلْكِ أَهْلِهَا لَهَا فَلَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ، وَلَا يَجِبُ فِي الْمُعْشَرَاتِ زَكَاةٌ لِغَيْرِ السَّنَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَكَرَّرُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةُ النَّمَاءِ مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسَادِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْأَصْوَبُ قِرَاءَةُ مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا اشْتَرَاهُ مَقْصُورَةً عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَمْدُودَةٌ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَعُمُّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ وَالْمَاءَ النَّجِسَ بِخِلَافِ الْمَمْدُودِ اهـ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْبَرَدَ وَالثَّلْجَ قَبْلَ ذَوْبِهِمَا كَمَا لَا يُسَمَّيَانِ مَاءً لَا يُمْكِنُ السَّقْيُ بِهِمَا، وَالْمَاءُ النَّجِسُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَلَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامُهُ (وَالْقَنَوَاتُ) وَكَذَا السَّوَاقِي الْمَحْفُورَةُ فِي نَحْوِ نَهْرٍ (كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَفِي الْمُسْقَى بِمَاءٍ يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمُؤْنَةٍ تُصْرَفُ عَلَيْهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَصْلِهِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ) حَيْثُ كَانَ الْمَاءُ يُدِيرُهَا بِنَفْسِهِ هَلَّا وَجَبَ فِيمَا سُقِيَ بِهَا الْعُشْرُ لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ رَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا) الْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ اهـ شَرْحُ رَوْضٍ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَسْقِيهِ إلَّا الْمَطَرُ، وَأَوْضَحَهُ الْأَزْهَرِيُّ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ السَّيْلِ إلَى أُصُولِ الشَّجَرِ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الْحَفِيرَةُ عَاثُورًا؛ لِأَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهَا يَتَعَثَّرُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ إلَخْ) وَلَا يُؤَدِّيهِمَا مِنْ حَبِّهَا إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْكُلِّ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ آجَرَ الْخَرَاجِيَّةِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤَجِّرِ أَرْضٌ أَخَذَ أُجْرَتِهَا مِنْ حَبِّهَا قَبْلَ أَدَاءِ زَكَاتِهِ.
فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَمْلِكْ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ مَا بِيَدِهِ أَوْ نِصْفُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَكَوِيًّا لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَالْأَرَاضِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا) أَيْ الْخَرَاجُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ) قَالَ حَجّ: وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنَّ أَرْضَ مِصْرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْخِلَافُ فِي فَتْحِهَا أَهُوَ عَنْوَةٌ أَوْ صُلْحٌ فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ قُبَيْلَ الْأَمَانِ صَارَتْ مَشْكُوكًا فِي حِلِّ أَخْذِهِ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا هِيَ كَذَلِكَ تُحْمَلُ عَلَى الْحِلِّ فَانْدَفَعَ الْأَخْذُ الْمَذْكُورُ.
[تَنْبِيهٌ آخَرُ] قَدَّمَ مُخَالِفٌ لِشَافِعِيٍّ أَوْ بَاعَهُ مَثَلًا مَا لَا يَعْتَقِدُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ عَلَى خِلَافِ عَقِيدَةِ الشَّافِعِيِّ فَهَلْ لَهُ أَخْذُهُ اعْتِبَارًا بِاعْتِبَارِ الْمُخَالِفِ كَمَا اعْتَبَرُوهُ فِي الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ مَاءِ وُضُوئِهِ الْخَالِي عَنْ النِّيَّةِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي بِأَنَّ سَبَبَ هَذَا رَابِطَةُ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا رَابِطَةَ ثَمَّ حَتَّى يَعْتَبِرَ لِأَجْلِهَا اعْتِقَادَ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا، وَأَيْضًا مَرَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى شَافِعِيٍّ لَعِبُ الشِّطْرَنْجِ مَعَ حَنَفِيٍّ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ، إذْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْبَرَدَ وَالثَّلْجَ قَبْلَ ذَوْبِهِمَا كَمَا لَا يُسَمَّيَانِ مَاءً إلَخْ) فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سُقِيَ بِهِمَا بَعْدَ ذَوْبِهِمَا لَا يَصْدُقُ أَنَّهُ سُقِيَ بِمَاءٍ اشْتَرَاهُ بِالْمُدِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى ثَلْجًا أَوْ بَرَدًا، وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِمَا اشْتَرَاهُ بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَشْمَلْهُ كَلَامُهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute