وَالنَّاضُّ لَهُ إطْلَاقَانِ أَيْضًا كَالنَّقْدِ.
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] وَالْكَنْزُ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، وَالنَّقْدَانِ مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ، لِأَنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تَنْقَضِي بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ (نِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا) بِالْإِجْمَاعِ، وَقُدِّمَ الْفِضَّةُ عَلَى الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ (بِوَزْنِ مَكَّةَ) تَحْدِيدًا، فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ، وَتَمَّ فِي أُخْرَى فَلَا زَكَاةَ لِلشَّكِّ وَإِنْ رَاجَ رَوَاجَ التَّامِّ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ مَعَ التَّحْدِيدِ لِاخْتِلَافِ خِفَّةِ الْمَوَازِينِ بِاخْتِلَافِ حَذْفِ صَانِعِيهَا لِخَبَرِ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا» وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُعْتَدِلَةً لَمْ تُقْشَرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ ضُرِبَتْ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ فِي زَمَنِ عُمَرَ أَوْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ: وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: وَالنَّاضُّ لَهُ إطْلَاقَانِ أَيْضًا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْكَنْزُ مَالٌ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالْكَنْزُ لُغَةً الْمَالُ الْمَدْفُونُ، فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَالَ الَّذِي تُؤَدَّ زَكَاتُهُ بِالْمَالِ الْمَدْفُونِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَالَ دَفْنِهِ (قَوْلُهُ بِوَزْنِ مَكَّةَ تَحْدِيدًا) أَيْ يَقِينًا لِيَظْهَرَ قَوْلُهُ فَلَوْ نَقَصَ إلَخْ.
[فَرْعٌ] ابْتَلَعَ نِصَابًا وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ فَهَلْ تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا حَتَّى يَخْرُجَ، فَلَوْ تَيَسَّرَ إخْرَاجُهُ بِنَحْوِ دَوَاءٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْهُ عَلَى مُمَوِّنِهِ وَأَدَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ طُولِبَ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ فِيمَا لَوْ تَيَسَّرَ إخْرَاجُهُ بِلَا ضَرَرٍ أَنْ يَلْزَمَهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ فِي الْحَالِّ، وَلَوْ قَبْلَ إخْرَاجِهِ كَمَا فِي دَيْنِهِ الْحَالِّ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ، وَأَنْ يَلْزَمَهُ إخْرَاجُهُ لِنَفَقَةِ الْمُمَوِّنِ وَالدَّيْنِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ فَقَدْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ تَيَسَّرَ لَهُ إخْرَاجُهُ بِلَا ضَرَرٍ فَتَرَكَهُ اُسْتُحِقَّتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَتُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يُشَقُّ جَوْفُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إخْرَاجُهُ كَذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ مِنْ تَرِكَتِهِ، بَلْ إنْ خَرَجَ وَلَوْ بِالتَّعَدِّي بِشَقِّ جَوْفِهِ وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ وَإِلَّا فَلَا سم عَلَى حَجّ.
قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: أَقُولُ: ابْتِلَاعُهُ قَرِيبٌ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِأَنَّهُ تَلِفَ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ بَاقٍ بِيَدِهِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ انْتَهَى.
أَقُولُ: قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مَأْيُوسٌ مِنْهُ عَادَةً فَأَشْبَهَ التَّالِفَ، وَاَلَّذِي ابْتَلَعَهُ يُمْكِنُ خُرُوجُهُ بَلْ هُوَ قَرِيبٌ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّوَاءَ بَلْ يَغْلِبُ خُرُوجُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا تُحِيلُهُ الْمَعِدَةُ فَأَشْبَهَ الْغَائِبَ كَمَا ذَكَرَ سم (قَوْلُهُ وَتَمَّ فِي أُخْرَى) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: الْمِيزَانُ مَعْرُوفٌ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُذَكَّرٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّعَامُلَ غَالِبًا فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ كَانَ بِالْبَغْلِيِّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ وَالطَّبَرِيِّ وَهُوَ نِصْفُهَا فَجَمَعَهُ وَقُسِّمَا دِرْهَمَيْنِ اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَالطَّبَرِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى طَبَرِيَّةَ قَصَبَةِ الْأُرْدُنِّ بِالشَّامِ، وَتُسَمَّى بِنَصِيبَيْنِ، وَالْبَغْلِيَّةُ نِسْبَةً إلَى الْبَغْلِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صُورَتُهُ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا إلَخْ) أَيْ الدَّرَاهِمَ الْآنَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ) أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُودِهَا لَا يَضُرُّ لِمَا قِيلَ إنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوَّلًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا وَزْنُهُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِقَ، وَالْآخَرُ أَرْبَعَةٌ فَخُلِطَ مَجْمُوعُ الدِّرْهَمَيْنِ وَقُسِمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَصَارَ الدِّرْهَمُ سِتَّةَ دَوَانِقَ، فَيُحْمَلُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ مِائَتَا دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ مِائَةٍ مِنْ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute