مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ: لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَجَبَتْ كَرَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ يَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ.
(تَجِبُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ (بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ) لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَلِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ عَنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ فِيهِ فَكَانَتْ عِنْدَ تَمَامِ صَوْمِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فَيُخْرِجُ إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقْتُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ، كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَاتٍ لَا الْفَجْرُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ أَدَّى فِطْرَةَ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخْرِجُ فَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
(فَتُخْرَجُ) عَلَى الْأَظْهَرِ (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) بِأَنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَعَبْدٍ وَقَرِيبٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَطَلَاقٍ أَوْ اسْتِغْنَاءِ قَرِيبٍ لِاسْتِقْرَارِهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بُرٍّ.
(قَوْلُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَعِبَارَةُ الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ.
(قَوْلُهُ: تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ) وَجْهُ الشَّبَهِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ وَاجِبَةً وَذَاكَ مَنْدُوبًا (قَوْلُهُ: كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ) وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» وَالْخَبَرُ الْغَرِيبُ «شَهْرُ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُرْفَعُ إلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ» اهـ.
حَجّ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُ قَوْلُهُ فَيُخْرِجُ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ لِرَمَضَانَ فِي وُجُوبِهَا دَخْلًا فَهُوَ سَبَبٌ أَوَّلٌ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ إخْرَاجُهَا فِيهِ لِانْحِصَارِ سَبَبِ وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ إلَخْ قَدْ يُقَالُ: هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ بَلْ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَمَضَانُ، إذْ لَوْ كَانَ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ لَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوَّلَ رَمَضَانَ تَقْدِيمًا عَلَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ الْوَجْهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ هُوَ رَمَضَانُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا: أَيْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ كُلِّهِ وَبَعْضِهِ فَصَحَّ قَوْلُهُمْ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَقَوْلُهُمْ هُنَا مَعَ إدْرَاكِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لَكِنَّهُ قَدْ يَشْتَبِهُ مَعَ عَدَمِ التَّأَمُّلِ.
(قَوْلُهُ: وَجَبَ الْإِخْرَاجُ إلَخْ) وَالْقِيَاسُ اسْتِرْدَادُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُوَرَّثُ إنْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَكَمَوْتِ السَّيِّدِ مَوْتُ الْعَبْدِ فَيَسْتَرِدُّهَا بِيَدِهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ وَصَلَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لَا يُخْرِجُ عَنْهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِجِنَايَةٍ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا حُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ حَتَّى يُقْتَلَ قَاتِلُهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) كَطَلَاقٍ. قَالَ سم عَلَى شَرْحِ بَهْجَةٍ: لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَسْقُطُ فِطْرَتُهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ الْجُزْأَيْنِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ إلَخْ) فِي إفَادَةِ هَذَيْنِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ إلَخْ) قَدْ يُدْفَعُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ التَّقَدُّمِ عَلَى يَوْمِ الْعِيدِ، فَلَا يَنْفِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِمَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ) أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ زَوْجَةٍ إلَخْ) فِيهِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ يُخْرِجُ مِنْ الْمَتْنِ نَفْسَ مَنْ يُخْرِجُ. الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ إلَخْ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ غَايَةً فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا. الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ كَطَلَاقٍ أَوْ اسْتِغْنَاءٍ قَرِيبٍ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِثَالًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ مَعَ الْمَتْنِ: فَيَخْرُجُ عَمَّنْ مَاتَ أَوْ طَلُقَ أَوْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِمَّنْ يُؤَدِّي عَنْهُ وَكَانَتْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ وَاسْتِغْنَاءُ الْقَرِيبِ كَمَوْتِهِ انْتَهَتْ.