لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ يَأْتِي وَنَفَقَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (ثُمَّ الْأَبَ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِشَرَفِهِ (ثُمَّ الْأُمَّ) كَذَلِكَ عَكْسُ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ، وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَطُهْرَةٌ وَشَرَفٌ وَالْأَبُ أَوْلَى بِهِمَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ لِلرِّجَالِ آكَدُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ أَصْلُ التَّرْتِيبِ لَا كَيْفِيَّتُهُ، وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ هُنَا وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْحَاجَةَ فِي الْبَابَيْنِ، وَرَدَّهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَبَعْضِ وَالِدِهِ وَنَفْسُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِمَا. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَيْضًا بِأَنَّ النَّظَرَ لِلشَّرَفِ إنَّمَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَالْأَصَالَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُرَدُّ مَا ذَكَرَهُ (ثُمَّ) وَلَدَهُ (الْكَبِيرَ) الَّذِي لَا كَسْبَ لَهُ وَهُوَ زَمِنٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، ثُمَّ الرَّقِيقَ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْهُ وَعَلَاقَتُهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَيَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ ثُمَّ بِالْمُدَبَّرِ ثُمَّ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ وَزَوْجَتَيْنِ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَإِنْ تَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ بِفَضَائِلَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّطْهِيرُ وَهُمْ مُسْتَوُونَ فِيهِ بَلْ النَّاقِصُ أَحْوَجُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزَّعْ بَيْنَهُمَا لِنَقْصِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ.
(وَهِيَ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (صَاعٌ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ الْمَارِّ (وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثُلُثُ) دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا (قُلْت: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ) مِنْ كَوْنِ الرِّطْلِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا مَرَّ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ إيضَاحُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوهُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُبُوبِ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْكَيْلِ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ وَعِيَارُهُ مَوْجُودٌ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَنْ عَدَاهَا حَتَّى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَمَا يَلِدُهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى سَائِرِ مَنْ عَدَاهَا وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لمر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ يَأْتِي) أَيْ الْأَبُ وَمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَبَعْضِ وَالِدِهِ) لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الْوَالِدِ الْكَبِيرِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ أَنَّهُ بَعْضُهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الرَّقِيقُ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ الْوَلَدِ قُدِّمَ الرَّقِيقُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
[فَرْعٌ] قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فِطْرَتُهُ بِشَرْطِهِ؟ لَا يَبْعُدُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَاصِلَةٌ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ كَالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ، فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحُرِّيَّةُ مَعَ سَبَبِ الْوُجُوبِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ مَا يُخْرِجُهُ، فَإِنَّهُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ رَقِيقٌ وَوَقْتَ نُفُوذِ الْعِتْقِ لَا مِلْكَ لَهُ، وَمَا يَقَعُ مِنْ الْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجَ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ مُقَارِنًا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَمِلْكُ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّكَاةِ مُتَقَارِنَيْنِ فَيُقَدَّرُ سَبْقُ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ أَوْ سَبْقُهُمَا مَعًا عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
(قَوْلُهُ: كَابْنَيْنِ) هَلْ مِثْلُهُمَا أَبُو الْأَبِ وَأَبُو الْأُمِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ يُقَدَّمُ أَبُو الْأَبِ لِتَقَدُّمِ ابْنِهِ عَلَى الْأُمِّ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ) أَيْ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ نَفْسِهِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْوَاجِبِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ اثْنَيْنِ فِي دَرَجَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَثُلُثُ دِرْهَمٍ) الْأَوْلَى مِنْ دِرْهَمٍ لِئَلَّا يُغَيِّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْكَيْلُ) هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي مِثْلِ الْجُبْنِ بُرٌّ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ. أَقُولُ: أَيْ فَيُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلِ عَادَةً.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى جَعْلِهِمْ الْوَزْنَ اسْتِظْهَارًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِظْهَارَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اخْتِلَافِ الْحُبُوبِ خِفَّةً وَثِقَلًا وَعَدَمِ اخْتِلَافِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ فِي الْقَدْرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَتَبَ عَلَيْهِ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .