الصَّوْمِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي تَسْقُطُ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَقَعْ وَاجِبًا، وَمِثْلُ طُرُوِّ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الرِّدَّةُ، فَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ جِمَاعِهِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّخْفِيفُ وَتَسْقُطُ إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ يَوْمَ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ بِطُرُوِّ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَوْمٍ لِمُنَافَاتِهِ لَهُ، وَلَوْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا سُقُوطُ الْإِثْمِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ إثْمُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ إثْمُ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهَا كَمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ
(وَيَجِبُ) عَلَى الْوَاطِئِ (مَعَهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ) (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ الْأَعْرَابِيَّ» ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِجَبْرِ الْخَلَلِ بِالْكَفَّارَةِ (وَهِيَ) يَعْنِي كَفَّارَةَ الْوِقَاعِ فِي رَمَضَانَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ» وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ فِيهَا صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً كَالْقَتْلِ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ ذُكِرَ فِيهَا الْأَغْلَظُ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَتْ مُرَتَّبَةً بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى تَرْتِيبِهَا بِقَوْلِهِ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَا (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صِفَتِهَا فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ لَهُ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ (فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ خِصَالِهَا الْمَذْكُورَةِ (اسْتَقَرَّتْ) الْكَفَّارَةُ (فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ إيضَاحُهُ، وَالثَّانِي لَا بَلْ تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ (فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ) مِنْهَا (فَعَلَهَا) كَمَا لَوْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَعَ تَعَدِّيهِ الْإِفْسَادَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ. وَلَوْ بَيَّتَ النِّيَّةَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَأَصْبَحَ صَائِمًا فَثَبَتَ شَوَّالٌ نَهَارًا، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ فِي الْمَطْلَعِ، أَهْلُهُ صِيَامٌ مِنْ غَيْرِ تَنَاوُلِ مُفْطِرٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ لِأَنَّهُ بِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ صَارَ وَاجِبُهُ الصَّوْمُ وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَثُبُوتُ شَوَّالٍ قَبْلَ انْتِقَالِهِ لَا يُفْسِدُ نِيَّتَهُ وَصَوْمَهُ لِزَوَالِ أَثَرِ الثُّبُوتِ فِي حَقِّهِ بِانْتِقَالِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ اهـ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ) أَيْ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الْجُنُونُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاتِهِ لَهُ) بَقِيَ مَا لَوْ شَرِبَ دَوَاءً لَيْلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُجَنِّنُهُ فِي النَّهَارِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ حَصَلَ الْجُنُونُ مِنْ ذَلِكَ الدَّوَاءِ فَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ حِينَ التَّعَاطِي. وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَدَّى بِالْجُنُونِ نَهَارًا بَعْدَ الْجِمَاعِ كَأَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقٍ فَجُنَّ بِسَبَبِهِ هَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ فِيهِ أَيْضًا سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ لِأَنَّهُ بِجُنُونِهِ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ أَثِمَ بِالسَّبَبِ الَّذِي صَارَ بِهِ مَجْنُونًا (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ) أَيْ النَّاشِرِيُّ
(قَوْلُهُ: ذُكِرَ فِيهَا الْأَغْلَظُ) لَعَلَّهُ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً» (قَوْلُهُ: نُدِبَ لَهُ عِتْقُهَا) أَيْ وَيَتْرُكُ صَوْمَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ وَيَقَعُ لَهُ مَا صَامَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: نُدِبَ لَهُ) أَيْ وَسَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ قَرِيبًا فَيَتْرُكُ مَا بَقِيَ مِنْ الْإِطْعَامِ وَيَقَعُ لَهُ مَا أَطْعَمَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ) زَادَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ وَلِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهَا صَوْمًا مُتَتَابِعًا إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الدَّاعِي إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ هُنَا مَعَ أَنَّ لَهَا مَحَلًّا يَخُصُّهَا، وَمَعَ أَنَّ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْبَابِ كَافِيَةٌ فِي الْمَقْصُودِ هُنَا وَالْأَمْرُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ إيضَاحُهُ) الَّذِي مَرَّ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُقَدِّمْ لَهُ إيضَاحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute