للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْلِيلِ بِالتَّقَوِّي بِالْفِطْرِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إفْرَادِهِ وَجَمْعِهِ، لَكِنَّهُ إذَا جَمَعَهُمَا حَصَلَ لَهُ بِفَضِيلَةِ صَوْمِ غَيْرِهِ مَا يُجْبَرُ مَا حَصَلَ فِيهِ مِنْ النَّقْصِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

(وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرُ الْعِيدِ) مِنْ فِطْرٍ وَنَحْرٍ (وَ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ) (مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ لِمَا صَحَّ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي الدَّرْدَاءِ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَتَبَذَّلَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَك وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» أَمَّا صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا فَحَرَامٌ كَمَا مَرَّ (وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ وَعَقَدَ تِسْعِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ، أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ، وَخَبَرُ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ صَامَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا، وَمَعَ نَدْبِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَالْغَزَالِيِّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَفِيهِ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» وَمَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَمِنْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ: أَيْ لَكَ يُرَدُّ بِأَنَّ صِيَامَ دَاوُد أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَشَقُّهَا، وَبِأَنَّ تَأْوِيلَهُ لِلْخَبَرِ فِيهِ صَرْفٌ لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تُعَضِّدُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ لِغَيْرِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يُخَالِفُهُ تَعْبِيرُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِصِدْقِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ

(وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا) مَا لَمْ يُنْذِرْ إتْمَامَهُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ، وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَيُقَاسُ بِالصَّوْمِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ غَيْرُ مَا سَيَأْتِي كَاعْتِكَافٍ وَطَوَافٍ وَوُضُوءٍ وَقِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا وَالتَّسْبِيحَاتِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ. نَعَمْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِظَاهِرٍ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] أَمَّا لِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضَيِّفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسُهُ فَيُسَنُّ، فَإِنْ لَمْ يُعَزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَعًا، أَوْ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ مَعًا ثُمَّ صَامَ الْأَوَّلَ وَعَنَّ لَهُ تَرْكُ الْيَوْمِ الثَّانِي فَهَلْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا؟

فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ قَصْدُهُ قَبْلَ الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا صَامَ السَّبْتَ كُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوَّلًا أَوْ لَا

(قَوْله «ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ» ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ هَكَذَا: وَعَقَدَ تِسْعِينَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَعَقَدَ تِسْعِينَ قَالَ الْمَحَلِّيُّ: هُوَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِبْهَامَ وَيَجْعَلَ السَّبَّابَةَ دَاخِلَةً تَحْتَهُ مَطْبُوقَةً جِدًّا (قَوْلُهُ: صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ فَوَافَقَ فِطْرُهُ يَوْمًا سُنَّ صَوْمُهُ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَالْبِيضُ يَكُونُ فِطْرُهُ فِيهِ أَفْضَلَ لِيَتِمَّ لَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ، لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَوْمَهُ لَهُ أَفْضَلُ. اهـ حَجّ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ مُوَافَقَةَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَلَا فَوْتَ حَقٍّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ) أَيْ وَحَيْثُ انْعَقَدَ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَوْفُ فَوْتِ حَقٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ هَلْ يُؤَثِّرُ أَوْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَ الْمَشَقَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِعَجْزِهِ عَنْ فِعْلِ مَا الْتَزَمَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ النَّذْرِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْ قَضَاؤُهُ

(قَوْلُهُ: «أَمِيرُ نَفْسِهِ» ) هُوَ بِالرَّاءِ وَرُوِيَ بِالنُّونِ أَيْضًا اهـ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ صَامَ» ) أَيْ أَتَمَّ صَوْمَهُ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ) هُوَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ) أَيْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَانَ الْمَقَامُ يَقْتَضِي الْإِظْهَارَ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ إلَى هُنَا لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إذَا جَمَعَهُمَا حَصَلَ لَهُ بِفَضِيلَةِ صَوْمِ غَيْرِهِ مَا يَجْبُرُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ لَكِنْ حَصَلَ بِصَوْمِ الْيَوْمِ الْآخَرِ مَا يُوَازِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>