فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَ
لِئَلَّا يَقْطَعَ التَّتَابُعَ. نَعَمْ لَوْ عَدَلَ لَمَّا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَسَافَتِهِ فَأَقَلَّ جَازَ الِانْتِفَاءُ الْمَحْذُورُ (وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهَا) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهَا وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فِي الْفَضْلِ (وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ وَفِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ، وَرُوِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ وَعَلَيْهِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ (وَلَا عَكْسَ) لِمَا سَبَقَ وَلَوْ عَيَّنَ لِلِاعْتِكَافِ زَمَنًا تَعَيَّنَ فَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِحَّ أَوْ أَخَّرَهُ فَقَضَاهُ وَأَثِمَ بِتَعَمُّدِهِ الرُّكْنُ الثَّانِي اللُّبْثُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةٍ وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَكْفِي قَدْرُهَا، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِأَصْلِ اللُّبْثِ وَقَدْرِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ مُقَابِلُ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ) أَيْ قَرِيبٍ مِنْهُ إذْ مَا دُونَهُ مُعْتَادٌ لِلْحَاجَةِ الَّتِي تَعِنُّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلْقَرْيَةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ سَاعَةً وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ لَحْظَةٌ. نَعَمْ يُسَنُّ يَوْمٌ كَمَا يُسَنُّ لَهُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
(وَيَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِالْجِمَاعِ) مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ وَاضِحٍ مُخْتَارٍ سَوَاءٌ أَجَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِمُنَافَاتِهِ لَهُ وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُسْتَحَبِّ فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا يَحْرُمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا خَارِجَهُ لِجَوَازِ قَطْعِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ. أَمَّا الْمَاضِي فَيَبْطُلُ حُكْمُهُ إنْ كَانَ مُتَتَابِعًا وَيَسْتَأْنِفُهُ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِغِيبَةٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ حَرَامٍ. نَعَمْ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِمَا يَلِيهِ إلَى أَنْ يَصِلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ وَلَوْ نَفْلًا (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ) أَيْ الْأَقْصَى (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَأَثِمَ بِتَعَمُّدِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ بِعُذْرٍ لَا إثْمَ فِيهِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ أَحَدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا بَلْ يَنْتَظِرُ إمْكَانَ الذَّهَابِ إلَيْهَا فَمَتَى أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ زَمَنًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ صَارَ قَضَاءً وَيَجِبُ فِعْلُهُ مَتَى أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: لَبِثَ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا) وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا الْجُلُوسَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ أَوْ مُكْثِهِ عَقِبَ دُخُولِهِ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا لِتَكُونَ نِيَّتُهُ مُقَارِنَةً لِلِاعْتِكَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى حَالَ دُخُولِهِ وَهُوَ سَائِرٌ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ كَذَا بُحِثَ فَلْيُرَاجَعْ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ مُطْلَقًا لِتَحْرِيمِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْجُنُبِ حَيْثُ جَعَلُوهُ مُكْثًا أَوْ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَنْعَطِفُ النِّيَّةُ عَلَى مَا مَضَى فَيُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِيعَابِ لِابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: وَيُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلُّبْثِ فَلَا تَصِحُّ إثْرَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ اللُّبْثِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ أَنَّ تَقْتَرِنَ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ وَأَوَّلُ الِاعْتِكَافِ اللُّبْثُ أَوْ نَحْوُ التَّرَدُّدِ لَا مَا قَبْلَهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاعْتِكَافِ التَّرَدُّدُ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ مَعَهُ، فَلَيْسَ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَصَدَ مَحَلًّا مُعَيَّنًا حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُرُورُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِهِ سَاعَةً) وَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي فَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِلَحْظَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَمْلًا عَلَى السَّاعَةِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: كَفَاهُ لَحْظَةٌ) أَيْ فَلَوْ مَكَثَ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَقَعَ كُلُّهُ وَاجِبًا، وَقِيَاسُ مَا قِيلَ فِيمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَنَحْوُهُ زِيَادَةٌ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ أَنَّ مَا زَادَ يَكُونُ مَنْدُوبًا أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا) مَسْجِدًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَبْطُلُ ثَوَابُهُ) ظَاهِرُهُ بُطْلَانُ ثَوَابِ الْجَمِيعِ لَا ثَوَابِ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُتَرَدِّدًا فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute