لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ اكْتَفَى بِهَا؛ وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ، تَعَيُّنُ الشَّرِيكِ.
(وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ مَكَّةَ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ) (يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَشْعَرَ تَعْبِيرَهُ بِالْمَشْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ وَالزَّحْفُ وَإِنْ أَطَاقَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ (فَإِنْ ضَعُفَ) عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (فَكَالْبَعِيدِ) عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مَا مَرَّ (وَيُشْتَرَطُ) (كَوْنُ) مَا ذَكَرَ مِنْ (الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) مَعَ مَا يُعْتَبَرُ مَعَهُمَا (فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ أُمْهِلَ بِهِ رَبُّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ لِآدَمَ أَمْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ فَكَالْحَاصِلِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ (وَ) عَنْ (مُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ وَبِهِمْ مِنْ كِسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَإِعْفَافِ الْأَبِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَضِيعُوا فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُهُمَا مِنْ جَوَازِ الْحَجِّ عِنْدَ فَقْدِ مُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِجَعْلِهَا ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ لَيْسَ بِمُرَادٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُمْ كَمَا فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ جَمِيعِ مَا مَرَّ (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ) اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ (وَ) عَنْ (عَبْدٍ) يَلِيقُ بِهِ وَ (يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِمَنْصِبٍ أَوْ، عَجْزٍ كَمَا يَبْقَيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُبَاعَانِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَأْتِي هُنَا مَا إذَا تَضَيَّقَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِخَوْفِ عَضْبٍ أَوْ قَضَاءٍ عَلَى الْفَوْرِ هَلْ يَبْقَيَانِ كَالْحَجِّ لِلتَّرَاخِي أَوْ لَا كَالدَّيْنِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ مَسْكَنَ مِثْلِهِ، وَالْعَبْدُ يَلِيقُ بِهِ، فَلَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِهِ لَزِمَهُ إبْدَالُهَا بِلَائِقٍ إنْ وَفَّى الزَّائِدُ بِمُؤْنَةٍ نُسُكِهِ وَمِثْلُهُمَا الثَّوَابُ النَّفِيسُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمَأْلُوفَيْنِ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلَوْ أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا يَكْفِيهِ وَلَوْ غَيْرُ نَفِيسَةٍ وَوَفَّى ثَمَنَهُ بِمُؤْنَةِ نُسُكِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَأَلْحَقَ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثًا الْأَمَةَ النَّفِيسَةَ الَّتِي لِلْخِدْمَةِ بِالْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْخِدْمَةِ بِأَنْ كَانَتْ لِلِاسْتِمْتَاعِ فَكَالْعَبْدِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ فِيهَا كَالْعَلَقَةِ فِيهِ، وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ بِمَا يَأْتِي فِي حَاجَةِ النِّكَاحِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْمَسْكَنُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُؤَجَّلًا) قَالَ الْمَحَلِّيِّ: لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمُنْيَةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ اهـ.
أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا عِنْدَ حُلُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ إلَخْ) هَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجِهَادِ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُمْ نَفَقَةَ يَوْمِ الْخُرُوجِ جَازَ سَفَرُهُ وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ بَعْدُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا كِفَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ لَزِمَتْهُ كِفَايَةُ أَصْلِهِ احْتَاجَ لِإِذْنِهِ إنْ لَمْ يُنِبْ مَنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْفَرْعَ لَوْ لَزِمَتْ أَصْلُهُ مُؤْنَتَهُ اُمْتُنِعَ سَفَرُهُ إلَّا بِإِذْنِ فَرْعِهِ إنْ لَمْ يُنَبْ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ بُحِثَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى نَفَقَةَ يَوْمٍ حَلَّ لَهُ السَّفَرُ فِيهِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ اهـ.
وَفِي كَلَامِ الزِّيَادِيِّ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَا يُكَلَّفُ بِدَفْعِهَا لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ فَصْلًا بِفَصْلٍ، وَعَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَاطِنًا، وَمَا فِي السِّيَرِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: هَلْ يَبْقَيَانِ كَالْحَجِّ إلَخْ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ تَبْقِيَّتُهُمَا (قَوْله فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا)
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ) جَزَمَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْبَهْجَةِ بِمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute