للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمِيقَاتِ (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ (مِنْ الْمِيقَاتِ) تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت: الْمِيقَاتُ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامُ مِمَّا قَبْلَهُ (أَظْهَرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحُلَيْفَةِ» ، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ دُونَ الزَّمَانِيِّ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَكِّيِّ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَأَنْ لَا يُحْرِمَ مِنْ خَارِجِهَا فِي جِهَةِ الْيَمَنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إحْرَامُ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ رَابِغٍ مَفْضُولًا، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لِعُذْرٍ وَهُوَ إبْهَامُ الْجُحْفَةِ عَلَى أَكْثَرِهِمْ وَعَدَمُ وُجُودِ مَاءٍ فِيهَا وَخَشْيَةُ مَنْ قَصَدَهَا عَلَى مَالِهِ وَنَحْوِهِ.

(وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ) الْمَكَانِيِّ (لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ) (مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وَمَنْ) هُوَ (بِالْحَرَمِ) مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ (يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) أَيْ بِقَلِيلِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِمَا صَحَّ مِنْ «أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ» (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى أَدْنَى الْحِلِّ (وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) بَعْدَ إحْرَامِهِ بِهَا فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَتْ عُمْرَتُهُ جَزْمًا وَ (أَجْزَأَتْهُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَنْ عُمْرَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَإِتْيَانِهِ بَعْدَهُ بِالْوَاجِبَاتِ (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ عَنْ الْمِيقَاتِ.

وَالثَّانِي لَا تُجْزِؤُهُ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَهُوَ عَرَفَةَ (فَلَوْ خَرَجَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إلَى) أَدْنَى (الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) وَقَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ (سَقَطَ الدَّمُ) أَيْ لَمْ يَجِبْ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالسُّقُوطِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَاكَ قَدْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ ثُمَّ جَاوَزَهُ فَكَانَ مُسِيئًا حَقِيقَةً وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ هَهُنَا فَكَانَ شَبِيهًا بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ.

(وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ) لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ، وَيُحْكَى أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِعْرَانَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَهُوَ عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ فَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ.

سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَال لَهُ نَعِيمٌ وَعَلَى يَسَارِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ فِي الْأَفْصَحِ، وَهِيَ اسْمٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

انْقِطَاعُ دَمِهَا قَبْلَ مُجَاوَزَتِهَا الْمِيقَاتِ بِزَمَنٍ يُمَكِّنُهَا فِيهِ الِاغْتِسَالُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّأْخِيرُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ مَعَ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ: الْإِحْرَامُ بِمَا قَبْلَهُ) أَيْ أَمَّا إذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِمَّا الْتَزَمَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِيقَاتِ فَكَيْفَ انْعَقَدَ.

لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَانِعُ مِنْ الِانْعِقَادِ هُوَ الْمَكْرُوهُ لَا مَا كَانَ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ لِلْمَكِّيِّ الْإِحْرَامُ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ نَفْسُ مَكَّةَ

(قَوْلُهُ: سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ) قَضَيْته وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ إلَى الْحِلِّ حَالَةَ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَنَّهُ هُنَا بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْإِسَاءَةُ حَتَّى يَحْتَاجَ لِمَسْقَطٍ لِلْإِثْمِ بِهَا وَفِيهَا سَبَقَ يُقَالُ مُجَاوَزَتُهُ لِلْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مَمْنُوعَةٌ فَاحْتَاجَ لِنِيَّةِ الْعَوْدِ لِيَمْنَعَ مِنْ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ عَلَيْهَا: ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ قَوْلُهُ فَلَا دَمَ: أَيْ وَأَمَّا الْإِثْمُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) بَدَلٌ مِنْ لَفْظِ الْخَبَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>