للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ عُذْرِهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ لَكِنَّهَا تُسَنُّ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا وَبِأَنَّ الرَّمْيَ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ ظَنَّ الْعَجْزَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي أَمَّا إغْمَاءُ النَّائِبِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ أَيَّامَ الرَّمْيِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ

وَلَوْ عَجَزَ الْأَجِيرُ عَلَى عَيْنِهِ عَنْ الرَّمْيِ هَلْ يَسْتَنِيبُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَيُرِيقُ دَمًا، وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ شُرُوطِ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَإِذَا) (تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا (تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ) مِنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلرَّمْيِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمُتَدَارَكُ أَدَاءً كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَدَارَكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ لَيْلًا أَجْزَأَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبِالثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِمَا وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِجَمْعٍ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا، إذْ جُمْلَةُ أَيَّامِ الرَّمْيِ بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ عَنْ زَوَالِ شَمْسِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَلَوْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ، فَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشَرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ وَسَبْعًا عَنْ يَوْمِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ يَوْمِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النَّائِبِ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ مُنِيبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ الْمَارُّ مِنْ جَوَازِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَارِكِ الرَّمْيِ فَقَطْ وَهُنَاكَ فِي تَارِكِهِ مَعَ الْمَبِيتِ بِمِنًى، وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَا دَمَ) مَعَ التَّدَارُكِ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً لِحُصُولِ الِانْجِبَارِ بِالْمَأْتِيِّ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فِي رَمْيِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ اضْطِرَابًا وَاخْتِلَافًا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ) لِوُقُوعِ الْجَمْعِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» وَقِيلَ إنَّمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ كَمَا يُكْمِلُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، وَفِي الْحَصَاةِ أَوْ الْحَصَاتَيْنِ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَقْوَالُ فِي حَلْقِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَظْهَرُهَا أَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدَّ طَعَامٍ وَالثَّانِي دِرْهَمًا وَالثَّالِثُ ثُلُثَ دَمٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَسُبْعَهُ عَلَى الثَّانِي.

(وَإِذَا) (أَرَادَ) بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ (الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) لِسَفَرٍ وَلَوْ مَكِّيًّا طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) طَوَافًا كَامِلًا بِرَكْعَتَيْهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ «لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَيْ الطَّوَافُ بِهِ فَلَا وَدَاعَ عَلَى مُرِيدِ الْإِقَامَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَا عَلَى مُرِيدِ السَّفَرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ، وَلَا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ لِلتَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا فِيمَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ لِغَيْرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ) أَيْ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لَهَا وَهَذَا عُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِضَافَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

(قَوْلُهُ وَبِالثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ) الْمُنَاسِبُ وَبِهِ فِي الثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ) أَيْ إنْ كَانَ فِي مَنَاسِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَنَاسِكِ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>