للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ، وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» وَإِنَّمَا وَقَعَ الْجَوَابُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يَلْبَسُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا لِخَبَرِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْقُمُصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخِفَافِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ» وَقَدْ عَدَّ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ عِشْرِينَ شَيْئًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهَا عَشْرَةٌ: أَيْ وَالْبَاقِيَةُ مُتَدَاخِلَةٌ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ بَالَغَ فِي اخْتِصَارِ أَحْكَامِ الْحَجِّ لَا سِيَّمَا هَذَا الْبَابُ وَأَتَى فِيهِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَالْمُحَرِّرُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ أُمُورٌ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا اهـ.

وَالْمُصَنِّفُ عَدَّهَا سَبْعَةً فَقَالَ (أَحَدُهَا سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ) وَإِنْ قَلَّ كَبَيَاضِ خَلْفِ أُذُنِهِ فَيَجِبُ كَشْفُ جَمِيعِهِ مِنْهُ مَعَ كَشْفِ جُزْءٍ مِمَّا يُحَاذِيهِ مِنْ الْجَوَانِبِ، إذْ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَتْ الْأُذُنُ مِنْ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، وَلَوْ جَاوَزَ شَعْرُ رَأْسِهِ حَدَّهُ بِحَيْثُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سَتْرُهُ هُنَا كَمَا يُجْزِئُ تَقْصِيرُهُ أَوْ لَا كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؟ مَحَلُّ احْتِمَالٍ، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا) عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِهِ كَقَلَنْسُوَةٍ وَطِينٍ وَمَرْهَمٍ وَحِنَّاءَ ثَخِينٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَخَيْطٍ شَدَّهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَرِيضًا كَالْعِصَابَةِ وَمَحْمُولٌ كَقُفَّةِ وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ لَا بِقَصْدِ السِّتْرِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ وَمُقْتَضَاهُ الْحُرْمَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَحْوَ الْقُفَّةِ لَوْ اسْتَرْخَى عَلَى رَأْسِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَالْقَلَنْسُوَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يُحْمَلُ يَحْرُمُ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ سِتْرَهُ، فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرَ لَمْ يَحْرُمْ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَمَاءٍ غَطَسَ فِيهِ وَلَوْ كَدِرًا أَوْ طِينًا وَحِنَّاءَ رَقِيقَيْنِ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ رَقِيقٍ وَهَوْدَجٍ اسْتَظَلَّ بِهِ وَإِنْ مَسَّهُ أَوْ قَصَدَ السِّتْرَ بِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَفَارَقَ نَحْوَ الْقُفَّةِ بِأَنَّ تِلْكَ يُقْصَدُ السِّتْرُ بِهَا عُرْفًا بِخِلَافِ هَذِهِ وَنَحْوِهَا، وَتَوَسَّدَ وِسَادَةً أَوْ عِمَامَةً وَسَتَرَهُ بِمَا لَا يُلَاقِيهِ كَأَنْ رَفَعَهُ بِنَحْوِ عُودٍ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ قَصَدَ السِّتْرَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنَّمَا عَدَّ نَحْوَ الْمَاءِ الْكَدِرِ سَاتِرًا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ وَهُنَا عَلَى السَّاتِرِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكَهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ السِّتْرُ بِالزُّجَاجِ هُنَا كَغَيْرِهِ، فَانْدَفَعَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ اتِّحَادِ الْبَابَيْنِ، وَمَا بَنَاهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ السَّاتِرَ الرَّقِيقَ الَّذِي يَحْكِي الْبَشَرَةَ لَا يَضُرُّ هُنَا فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ هُنَا بِأَنَّهُ يَضُرُّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي نُكَتِ النَّسَائِيّ مِمَّا يَقْتَضِي ضَعْفَهُ، وَلَوْ شَدَّ خِرْقَةً عَلَى جُرْحٍ بِرَأْسِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِهِ فِي الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبَدَنِ وَأَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ جَوَازَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَبِيرَةٌ، وَأَنَّ بَقِيَّةَ الْمُحَرَّمَاتِ صَغِيرَةٌ اهـ سم عَلَى حَجّ.

وَقَوْلُهُ وَمِنْ الْجِمَاعِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَجِّ قَدْ يُخْرِجُ الْعُمْرَةَ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي) وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّقْصِيرِ أَنَّ الْبَشَرَةَ هُنَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَ تَقْصِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالشَّعْرِ لَا الْبَشَرَةِ فَلَمْ يُشْبِهْ مَا نَحْنُ فِيهِ حَجّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَخَيْطٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ السِّتْرُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الْقُفَّةِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ كَقُفَّةٍ) وَمِثْلُ الْقُفَّةِ فِيمَا ذَكَرَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصْدِ السِّتْرِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ السِّتْرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ (قَوْلُهُ: مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَسْتَرْخِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ يُحْمَلُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَدَّ خِرْقَةً عَلَى جُرْحٍ بِرَأْسِهِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حُرْمَةٍ كَمَا يَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>