(بَدَنَةً) مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَتْ أَوْ أُنْثَى لِفَتْوَى جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَخَرَجَ بِالْمُفْسِدِ مَا لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ التَّحْلِيلَيْنِ أَوْ ثَانِيًا بَعْدَ جِمَاعِهِ الْأُولَى قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ فَتَجِبُ بِهِ شَاةٌ وَالْوُجُوبُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا، وَإِنْ فَسَدَ نُسُكُهَا بِأَنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً مُمَيِّزَةً مُخْتَارَةً عَامِدَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الصَّوْمِ فَهِيَ عَنْهُ فَقَطْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ سَيِّدًا أَمْ وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ أَمْ زَانِيًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى لُزُومِ الْبَدَنَةِ لَهَا طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَدَنَةَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ الْفِقْهِ فَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَشَرْطُهَا سِنٌّ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ: تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا مَرَّ فَإِنَّ الْبَقَرَةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْبَدَنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَقَرَةِ أَيْضًا فَسَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ بِسِعْرِ مَكَّةَ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، كَذَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَعَنْ الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنِ، وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِسِعْرِ مَكَّةَ حَالَ الْوُجُوبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ، وَيَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئْ أَنْ يَدْفَعَ الْوَاجِبَ إلَى ثَلَاثَةٍ إنْ قَدَرَ، وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلٍّ مُدٍّ يَوْمًا (وَ) يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِوَطْءٍ لَا بِرِدَّةٍ (الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مُعْتَبَرَاتِهِ وَيَجْتَنِبَ سَائِرَ مَنْهِيَّاتِهِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ أَيْضًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] إذْ هُوَ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا، وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا بِالْفَسَادِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَهُ.
نَعَمْ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لِحُرْمَةِ زَمَانِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا مَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ فَلَا يَجِبُ إتْمَامُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا أَحْبَطَتْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِيهَا كَفَّارَةٌ (وَ) يَجِبُ مَعَ الْإِتْمَامِ وَالْكَفَّارَةِ (الْقَضَاءُ) اتِّفَاقًا (وَإِنْ كَانَ نُسُكَهُ تَطَوُّعًا) مِنْ صَبِيٍّ أَوْ قِنٍّ لِفَتْوَى الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ؛ وَلِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ صَحِيحٌ وَتَطَوُّعَهُ كَتَطَوُّعِ الْبَالِغِ فِي اللُّزُومِ بِالشُّرُوعِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَإِيجَابُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ إيجَابَ تَكْلِيفٍ بَلْ مَعْنَاهُ تَرَتُّبُهُ فِي ذِمَّتِهِ كَغَرَامَةِ مَا أَتْلَفَ، وَلَوْ كَانَ مَا فَسَدَ بِالْجِمَاعِ قَضَاءً وَجَبَ قَضَاءُ الْمَقْضِيِّ لَا الْقَضَاءِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْقَضَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَأَفْسَدَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ قَضَاءٌ وَاحِدٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَكَفَّارَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشْرِ، وَيَلْزَمُ الْمُفْسِدَ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِمَّا أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلًّا إنْ سَلَكَ فِيهِ غَيْرَ طَرِيقِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً مُمَيِّزَةً مُخْتَارَةً) أَيْ فَلَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً لَمْ يَفْسُدْ نُسُكُهَا (قَوْلُهُ: كَمَا فِي كَفَّارَةِ الصَّوْمِ فَهِيَ عَنْهُ) لِلصَّيْمَرِيِّ مَا لَوْ كَانَ حَلَالًا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ مَجْنُونًا وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الرَّجُلُ خَاصَّةً كَمَا بَسَطَتْهُ فِي الْحَاشِيَةِ إنْ كَانَ زَوْجًا مُكَلَّفًا مُحْرِمًا وَإِلَّا فَعَلَيْهَا حَيْثُ لَمْ يُكْرِهَا كَمَا لَوْ زَنَتْ أَوْ مَكَّنَتْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ اهـ.
وَعِبَارَةُ سَمِّ عَلَى مَنْهَجٍ قَالَ مَرَّ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ غَيْرَ مُحْرِمٍ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيًّا كَالصَّوْمِ اهـ (قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِسِعْرِ مَكَّةَ إلَخْ) قَالَ حَجّ بَعْدَمَا ذَكَرَ وَأَوْجَهُ مِنْهُمَا اعْتِبَارُ حَالَةِ الْأَدَاءِ كَمَا يَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) وَهَلْ الْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ الطَّعَامِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ أَوْ بِسِعْرِ مَكَّةَ غَالِبَ الْأَحْوَالِ كَمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي قِيمَةِ الْبَدَنَةِ أَمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ اعْتِبَارُ غَالِبِ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِيجَابُهُ) أَيْ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَيْ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ: وَجَبَ قَضَاءُ الْمَقْضِيِّ) .
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute