عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالشِّرَاءُ بِأَنَّهُ قَبُولُهُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ، إلَّا مَا خَرَجَ لِدَلِيلٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بُيُوعٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا وَأَحَادِيثُ كَخَبَرِ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» أَيْ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
وَخَبَرِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَأَفْرَدَ لَفْظَهُ؛ لِأَنَّ إفْرَادَهُ هُوَ الْأَصْلُ إذْ هُوَ مَصْدَرٌ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ فِعْلُ ذَلِكَ لِإِرَادَتِهِ نَوْعًا مِنْهُ وَهُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ إذْ إرَادَةُ ذَلِكَ تُعْلَمُ مِنْ إفْرَادِهِ السَّلَمَ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ.
وَالنَّظَرُ أَوَّلًا فِي صِحَّتِهِ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهَا تُقَارِنُ آخِرَ اللَّفْظِ الْمُتَأَخِّرِ وَأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ يُقَارِنُهَا ثُمَّ لُزُومُهُ ثُمَّ حُكْمُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
النَّقْلِ فَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ إذْ التَّمْلِيكُ بِالثَّمَنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْعًا، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ، أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الثَّمَنَ فِي مُطْلَقِ الْعِوَضِ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ قَبُولُهُ) أَيْ نَقْلِهِ (قَوْلُهُ: يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ) أَيْ فَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى التَّمَلُّكِ وَالشِّرَاءُ عَلَى التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ (قَوْلُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) بَيَّنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْحِلَّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ) أَيْ فَدَلَّ عَدَمُ بَيَانِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبُيُوعِ الْحِلُّ وَهُوَ.
مُقْتَضَى الْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنَّمَا مُجْمَلَةٌ) أَيْ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا إلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ بَيْعٍ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا وَغَيْرِ الزِّرَاعَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ فَإِنَّ أَفْضَلَ طُرُقِ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا بِيَدِهِ ثُمَّ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ ثُمَّ التِّجَارَةُ (قَوْلُهُ أَيْ لَا غِشَّ) تَفْسِيرٌ لِمَبْرُورٍ وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَلَا خِيَانَةَ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ مِمَّا يُقْتَضَى خُرُوجَهُ عَمَّا يَظُنُّهُ الْبَائِعُ، وَالْخِيَانَةُ كَأَنْ يُخْبِرُ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ كَاذِبًا وَكَكِتْمَانِ الْعَيْبِ عَنْ الْمُشْتَرِي، زَادَ الْمُنَاوِيُّ: أَوْ مَعْنَاهُ مَقْبُولٌ فِي الشَّرْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فَاسِدًا أَوْ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللَّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُثَابًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ مَصْدَرٌ) رَدَّهُ سم بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اللَّفْظُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَصْدَرًا فِي الْأَصْلِ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِفْرَادُ (قَوْلُهُ: إنَّهَا تُقَارِنُ آخِرَ اللَّفْظِ) وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الزَّوَائِدُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا عَقِبُهُ.
وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِآخِرِهِ حُصُولُهُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي كُلِّ مَا سَبَّبَهُ قَوْلٌ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ا. هـ.
حَجّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَجْرُوهُ فِي السَّبَبِ الْفِعْلِيِّ اهـ حَجّ أَيْضًا، وَالسَّبَبُ الْفِعْلِيُّ كَالرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: يُقَارِنُهَا) أَيْ الصِّحَّةَ غَالِبًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إذْ إرَادَةُ ذَلِكَ تُعْلَمُ إلَخْ) فِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا خُصُوصُ بَيْعِ الْأَعْيَانِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْمَنَافِعُ الْمُؤَبَّدَةُ.
فَإِنْ قُلْت: مُرَادُهُ بِالْأَعْيَانِ مَا يُقَابِلُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَشْمَلُ الْمَنَافِعَ.
قُلْت يَرُدُّ هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ بَيْعُ الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ السَّلَمِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ إذْ إرَادَةُ ذَلِكَ تُعْلَمُ إلَخْ لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، بَلْ هَذَا الْإِفْرَادُ دَلِيلُ تِلْكَ الْإِرَادَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ يُقَارِنُهَا) هَذَا لَا يُوَافِقُ قَوْلَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ الصَّرِيحُ فِي أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي هُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَيَقَعُ عَقِبَهَا لَا أَنَّهُ يُقَارِنُهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا التَّرَتُّبُ مِنْ حَيْثُ الرُّتْبَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، فَلَا يُنَافِي مُقَارَنَتَهُ لَهَا فِي الزَّمَانِ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ تُقَارِنُ مَعْلُولَهَا فِي الزَّمَانِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ إلَخْ لَيْسَ هُوَ مَا فِي شَرْحِ الشِّهَابِ حَجّ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يُوجَدُ مُقَارِنًا لِأَخْذِ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الصِّيغَةِ أَوْ يَقَعُ