للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْإِيجَابُ) مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، مِمَّا اُشْتُهِرَ وَكُرِّرَ عَلَى أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ وَسَتَأْتِي الْكِتَابَةُ وَسَوَاءٌ أَكَانَ هَازِلًا أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] مَعَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ، فَجُعِلَتْ الصِّيغَةُ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ أَنْ يَتَرَاضَيَا وَلَوْ مَعَ السُّكُوتِ مِنْهُمَا.

وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ كَجَمْعِ انْعِقَادِهِ بِهَا فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بِهَا بَيْعًا وَآخَرُونَ فِي مُحَقَّرٍ كَرَغِيفٍ.

أَمَّا الِاسْتِجْرَارُ مِنْ بَيَّاعٍ فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا: أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَدِّرُ الثَّمَنَ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ سَامَحَ فِيهِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا مُطَالَبَةَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَالِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ) الْإِيجَابُ مِنْ أَوْجَبَ بِمَعْنَى أَوْقَعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: ٣٦] وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ وَمِنْهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ بِالْوُجُوبِ السُّقُوطُ، وَالْمُرَادُ هُنَا إيجَادُ الشَّيْءِ وَتَحْصِيلُهُ لَا سُقُوطُهُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ وَوَجَبَ الْحَائِطُ وَنَحْوُهُ وَجْبَةَ سَقَطٍ، وَأَوْجَبْت الْبَيْعَ بِالْأَلِفِ فَوَجَبَ وَلَا يُبَيِّنُ مَدْلُولَهُ، لَكِنْ ذِكْرُهُ بَعْدَ وَوَجَبَ الْحَائِطُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرُ السُّقُوطِ الَّذِي مِنْهُ فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا إذْ الْمُرَادُ مِنْ سُقُوطِ الْحَائِطِ انْهِدَامُهُ وَزَوَالُهُ، وَمِنْ إيجَابِ الْبَيْعِ تَحْصِيلُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِزَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَعَلَهُ مِنْهُ لِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ فِي السُّقُوطِ، فَقَوْلُهُ: بِعْتُك كَأَنَّهُ أَسْقَطَ مِلْكَهُ عَنْ الْمَبِيعِ، وَقَوْلُهُ: اشْتَرَيْتُ أَسْقَطَ بِهِ مِلْكَهُ عَنْ الثَّمَنِ، وَقَدْ يُقَالُ الْأَقْرَبُ جَعْلُهُ مِنْ وَجَبَ بِمَعْنَى ثَبَتَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لُغَةً: وَجَبَ الشَّيْءُ وَجْبَةً سَقَطَ، وَوَجَبَ الشَّيْءُ وُجُوبًا ثَبَتَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْإِيجَابُ (قَوْلُهُ: بِعِوَضٍ) لَمْ يَذْكُرْهَا حَجّ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِالصِّيغَةِ لَا لِصَرَاحَتِهَا، وَقَوْلُهُ: بِعْتُك دَالٌّ عَلَى التَّمْلِيكِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً (قَوْلُهُ: مِمَّا اُشْتُهِرَ) أَيْ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ هَازِلًا أَمْ لَا) هَلْ الِاسْتِهْزَاءُ كَالْهَزْلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ الْفَرْقُ الْآنَ فِي الْهَزْلِ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ رَاضِيًا، وَلَيْسَ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ قَصْدُ اللَّفْظِ بِمَعْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ بِالْإِقْرَارِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى) عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيمَا أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ التَّرَاضِي، وَالْمُرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُ الْهَزْلَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَا) أَيْ عُقِدَ، وَقَوْلُهُ: بِهَا: أَيْ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ فِي كُلِّ مَا: أَيْ بِكُلِّ مَا انْتَهَى، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ جَعَلَ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ الْمُفِيدَةِ لِكَوْنِ مَجْرُورِهَا هُوَ سَبَبُ الِانْعِقَادِ، وَعَلَيْهِ فَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُتَبَايِنَةٌ، وَلَا تَتَقَيَّدُ الْمُعَاطَاةُ بِالسُّكُوتِ بَلْ كَمَا تَشْمَلُهُ تَشْمَلُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْغَيْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِمْ لِلصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ الْمُعَاطَاةِ (قَوْلُهُ: فَبَاطِلٌ اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي بَيْعِ مِثْلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَوْ قَدَّرَ مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ عَقْدٍ كَانَ مِنْ الْمُعَاطَاةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ سَامَحَ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِجْرَارِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا مُطَالَبَةَ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْمُعَاطَاةِ: أَيْ بِمَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ بِالْمُعَاطَاةِ إلَخْ.

قَالَ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ: وَعَقْدُ الْمُعَاطَاةِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لحج.

[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْعٌ بِمُعَاطَاةٍ بَيْنَ مَالِكِيٍّ وَشَافِعِيٍّ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِيِّ ذَلِكَ لِإِعَانَتِهِ الشَّافِعِيَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْحُرْمَةُ كَمَا لَوْ لَعِبَ الشَّافِعِيُّ مَعَ الْحَنَفِيِّ الشِّطْرَنْجَ حَيْثُ قِيلَ يَحْرُمُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِإِعَانَتِهِ الْحَنَفِيَّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ هَذَا إنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بِهَا بَيْعًا) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ لِمَتْنِ الرَّوْضِ وَفِي فِيهِ بِمَعْنَى الْبَاءِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>