قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الرَّأْسُ بِالْمَسْحِ لِسَتْرِهِ غَالِبًا فَاكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى طَهَارَةٍ وَلَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنَّمَا الْخَاصُّ بِهَا الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَمُوجِبُهُ الِانْقِطَاعُ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ.
وَشُرُوطُهُ كَالْغُسْلِ أُمُورٌ: مِنْهَا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَلَوْ مَظْنُونًا، وَإِسْلَامٌ وَتَمْيِيزٌ وَعَدَمُ صَارِفٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ حُكْمًا، وَعَدَمُ مُنَافٍ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ فِي غَيْرِ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى رَأْيٍ يَأْتِي وَأَنْ لَا يَكُونَ بِعُضْوِهِ مَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ تَغَيُّرًا مُضِرًّا وَأَنْ لَا يُعَلِّقَ نِيَّتَهُ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت الْوُضُوءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّبَرُّكَ.
لَا يُقَالُ: لَمْ أُلْحِقْ الْإِطْلَاقَ هُنَا بِقَصْدِ التَّعْلِيقِ وَفِي الطَّلَاقِ بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَزْمَ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّيَّةِ يَنْتَفِي بِهِ لِانْصِرَافِهِ لِمَدْلُولِهِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّكِ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ تَعَارَضَ صَرِيحَانِ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْضٍ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ «بِأَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ) أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حَجّ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْإِمَامِ) حَيْثُ قَالَ هُوَ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِيهِ مَسْحًا وَلَا تَنْظِيفَ فِيهِ اهـ شَرْحُ بَهْجَةٍ.
قَالَ سم بِهَامِشِهِ مَا نَصُّهُ: قَدْ يُمْنَعُ، بَلْ فِي الْمَسْحِ تَنْظِيفٌ لَا سِيَّمَا مَعَ تَكَرُّرِهِ وَلَوْ سَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ التَّنْظِيفَ بِجُمْلَتِهِ لَكِنَّهُ سُومِحَ فِي الرَّأْسِ لِنَظَافَتِهِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَسْلِ وَتَكْرَارِهِ اهـ.
وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّعَبُّدِيَّ أَفْضَلُ مِنْ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِأَنَّ فِيهِ إرْغَامًا لِلنَّفْسِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ) فِيهِ إشَارَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ (قَوْلُهُ: الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ) أَوْ الْكَيْفِيَّةُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَاَلَّذِي مِنْ خَصَائِصِنَا إمَّا الْكَيْفِيَّةُ الْمَخْصُوصَةُ أَوْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ اهـ (قَوْلُهُ وَمُوجِبُهُ الِانْقِطَاعُ) أَيْ الْخُرُوجُ وَالِانْقِطَاعُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْهَا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) وَالْعِلْمُ بِإِطْلَاقِهِ اهـ شَرْحُ رَوْضٍ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَقَدْ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَظْنُونًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَظْنُونًا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ صَحَّ طُهْرُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إطْلَاقَهُ، بَلْ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ إطْلَاقِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، فَقَوْلُهُ وَلَوْ ظَنًّا لَعَلَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْجُمْلَةِ وَفِيمَا إذَا وَقَعَ اشْتِبَاهُ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِهِ وَاجْتَهَدَ فِيهِمَا اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ
قُلْت: أَوْ يُقَالُ إنَّ اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ مُحَصِّلٌ لِلظَّنِّ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ ظَنًّا الْأَعَمَّ مِنْ ظَنِّ سَبَبِهِ الِاجْتِهَادَ أَوْ اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ سم لَعَلَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: وَيُعَبَّرُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ عَدَمِ الصَّارِفِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَغْسَالِ الْحَجِّ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ لِغَيْرِ أَغْسَالِ الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ عَلَى رَأْيٍ يَأْتِي هَذَا فِي إزَالَتِهِ أَوَّلًا بِغَسْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، أَمَّا إزَالَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَوْ مَعَ الْوُضُوءِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فَشَرْطِيَّةُ الْإِزَالَةِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِهَذَا الرَّأْيِ اهـ سم.
عَلَى بَهْجَةٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّبَرُّكَ) أَيْ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: إذْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ أُلْحِقَ هُنَا بِالتَّعْلِيقِ وَثَمَّ بِالتَّبَرُّكِ وَإِلَّا فَالْإِطْلَاقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْبَابَيْنِ فَهُوَ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ هُنَا حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَفَسَدَ وُضُوءُهُ وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ ثَمَّ حُمِلَ عَلَى التَّبَرُّكِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، فَالْبَابَانِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ نَفْعِ الصِّيغَةِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (قَوْلُهُ: يَنْتَفِي بِهِ) أَيْ بِالتَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ: لِانْصِرَافِهِ لِمَدْلُولِهِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
مَعْنَوِيَّةً لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فِيهَا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ الذُّنُوبُ اللُّغَوِيَّةُ (قَوْلُهُ: لِسَتْرِهِ غَالِبًا) أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يُمْسَحْ شَيْءٌ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ كَشْفُهُ كَالرَّأْسِ (قَوْلُهُ: وَمُوجِبُهُ الِانْقِطَاعُ) شَمِلَ الْحَدَثَ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَسَّ امْرَأَةً وَاسْتَمَرَّ وَاضِعًا يَدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ،؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ حَدَثُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ يُخْرِجُ هَذَا وَنَحْوَهُ (قَوْلُهُ: وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ) أَيْ تَقَدُّمُ إزَالَتِهَا بِغُسْلٍ غَيْرِ غُسْلِ الْحَدَثِ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ إزَالَتِهَا قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: يَنْتَفِي بِهِ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ