لَا كَمُفَلْفَلِ السُّودَانِ
(يَثْبُتُ الْخِيَارَ) بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ أَوْ الضَّرَرِ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَوْجَهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّدْلِيسِ، وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لِغَالِبِ النَّاسِ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ حَتَّى لَا يُنْسَبَ الْمُشْتَرِي إلَى تَقْصِيرٍ (لَا لَطَّخَ ثَوْبَهُ) أَيْ الرَّقِيقُ (بِمِدَادٍ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ) أَوْ إلْبَاسُهُ ثَوْبَ نَحْوِ خَبَّازٍ لِيُوهِمَ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ أَوْ تَوْرِيمُ ضَرْعِ الْحَيَوَانِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ غَرَرٍ لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي بِعَدَمِ امْتِحَانِهِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَدَمَ حُرْمَتِهِ بِخِلَافِ التَّصْرِيَةِ، وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ بِالتَّصْرِيَةِ يَرْتَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ هَذَا.
وَالثَّانِي يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ نَظَرًا لِمُطْلَقِ التَّدْلِيسِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إلْبَاسِهِ ثَوْبًا مُخْتَصًّا بِحِرْفَةٍ مِنْ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً يَظُنُّهَا جَوْهَرَةً بِثَمَنِ الْجَوْهَرَةِ لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ لَهَا قِيمَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَوَجْهُ مَا تَقَرَّرَ وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ حَقِيقَةَ الرِّضَا الْمُشْتَرَطَةَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ التَّقْصِيرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ " لَا خِلَابَةَ " كَمَا مَرَّ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ خِيَارًا وَلَا أَفْسَدَ شِرَاءَهُ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ بِنَفْسِهِ: أَيْ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِ الْبَائِعِ فِيمَا يَظْهَرُ.
ثُمَّ رَأَيْته فِي حَجّ وَعِبَارَتُهُ: وَمِنْ ثَمَّ تَخَيَّرَ هُنَا فِي حَبْسِ مَاءِ الْقَنَاةِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْبَائِعِ، إلَّا تَجَعُّدَ الشَّعْرِ فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ غَالِبًا فَلَمْ يُنْسَبْ الْبَائِعُ فِيهِ لِتَقْصِيرٍ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ تَصَرَّتْ بِنَفْسِهَا أَنَّ الْبَائِعَ يُنْسَبُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّصْرِيَةِ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ حَلْبِ الدَّابَّةِ وَتَعَهُّدِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا كَذَلِكَ الشَّعْرُ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْفَرْقِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: كَمُفَلْفَلِ السُّودَانِ) أَيْ فَإِنْ جَعَلَ الشَّعْرَ عَلَى هَيْئَتِهِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى نَفَاسَةِ الْمَبِيعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ
(قَوْلُهُ: لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي إلَخْ) رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا بِمَحِلٍّ لَا شَيْءَ فِيهِ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ لَمْ يَبْعُدْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) حَجّ (قَوْلُهُ: يَظُنُّهَا جَوْهَرَةً) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ هِيَ جَوْهَرَةٌ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْته بِكَذَا كَاذِبًا أَوْ زَادَ الْبَائِعُ فِي السِّلْعَةِ وَهِيَ مَعَ الدَّلَّالِ لِيَضُرَّ غَيْرَهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُحْدِثْ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ صِفَةً لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، وَإِخْبَارُهُ هُنَا عَنْ الزُّجَاجَةِ بِأَنَّهَا جَوْهَرَةٌ بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِ صِفَةٍ تُخَيَّلُ لِلْمُشْتَرِي فِيهَا ذَلِكَ فَكَانَ كَتَسْوِيدِ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدِهِ بَلْ أَوْلَى فَلْيُرَاجِعْ.
ثُمَّ الْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يُسَمِّهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا وَقْتَ الْبَيْعِ.
أَمَّا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْجَوْهَرَةَ فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحِلَّ) أَيْ صِحَّةَ بَيْعِ الزُّجَاجَةِ (قَوْلُهُ: لَهَا قِيمَةٌ) أَيْ وَلَوْ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ (قَوْلُهُ: لَا تُعْتَبَرُ مَعَ التَّقْصِيرِ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الرِّضَا فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ بَيْعَهُ بِقَلْبِهِ وَقَدْ وُجِدَ اللَّفْظُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُعْتَبَرُ مَعَ التَّقْصِيرِ إلَخْ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ أَوْ الضَّرَرِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ عِلَّةَ التَّخْيِيرِ فِي الْمُصَرَّاةِ هَلْ هِيَ تَدْلِيسُ الْبَائِعِ أَوْ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي بِاخْتِلَافِ مَا ظَنَّهُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا: أَيْ وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا. (قَوْلُهُ: لِيُوهِمَ أَنَّهُ كَاتِبٌ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إلْبَاسِهِ ثَوْبًا مُخْتَصًّا بِحِرْفَةٍ إلَخْ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ أَوْ إلْبَاسُهُ ثَوْبَ نَحْوِ خَبَّازٍ إلَخْ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) أَيْ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الرِّضَا الْمُشْتَرَطَةَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَفْقُودَةٌ حِينَئِذٍ: أَيْ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِهِ.