للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ بِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَمْكِينُهُ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْبَائِعِ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي السَّقْيَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَنْمِيَتَهَا فَلْتَكُنْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَمْكِينُهُ مِنْ السَّقْيِ بِمَا اُعْتِيدَ سَقْيُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي كَبِئْرٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِطًا لِنَفْسِهِ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِذَلِكَ لَمَّا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اغْتَفَرُوهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي ثَمَرَةٍ غَيْرِ مُؤَبَّرَةٍ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ ضَرَّهُمَا) كَانَ لِكُلٍّ مَنْعُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ فَهُوَ سَفَهٌ وَتَضْيِيعٌ وَ (لَمْ يَجُزْ) السَّقْيُ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا (إلَّا بِرِضَاهُمَا) مَعًا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَيَمْتَنِعُ عَلَى أَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِذَلِكَ لِإِدْخَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ضَرَرًا.

لَا يُقَالُ: فِيهِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ تَرَاضِيهِمَا لِأَنَّا نَقُولُ: الْإِفْسَادُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْغَيْرِ ارْتَفَعَ بِالرِّضَا وَيَبْقَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مَالِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِفِعْلٍ فَأَشْبَهَ إحْرَاقَ الْمَالِ، أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهَذَا أَوْضَحُ (وَإِنْ) (ضَرَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّجَرَ دُونَ الثَّمَرِ أَوْ عَكْسَهُ (وَتَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّقْيِ (فُسِخَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إلَّا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْحَاكِمُ أَمِينًا وَمُؤْنَتُهُ عَلَى مِنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ، شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ اغْتَفَرُوهُ) قَالَ حَجّ: نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَغْلِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِمَائِهِ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ لِمَاءِ الْمُشْتَرِي إلَّا حَيْثُ نَفْعُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُبِيحُ مَالَ الْغَيْرِ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ مَنْفَعَةٍ بِهِ، وَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَمَحَلُّ سَقْيِ الْبَائِعِ مِنْ الْبِئْرِ الدَّاخِلَةِ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ الْمُشْتَرِي لِمَاءِ الْبِئْرِ لِيَسْقِيَ بِهِ شَجَرًا آخَرَ مَمْلُوكًا هُوَ وَثَمَرَتُهُ لَهُ وَإِلَّا قُدِّمَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ تَلِفَتْ ثَمَرَةُ الْبَائِعِ فَإِنْ أَرَادَ سَقْيَهُ نَقَلَ إلَيْهِ مَاءً مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ لِأَنَّ الْمَاءَ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ أَحَقُّ فَلْيُرَاجَعْ، فَإِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِيَ وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَدْ يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ) أَيْ قَضِيَّةُ هَذَا الظَّاهِرِ لَكِنْ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ، بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّ الثَّمَرَةَ بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ وَلَوْ بَعْدَ التَّأْبِيرِ بِشَرْطٍ أَوْ بِدُونِهِ كَانَ لَهُ السَّقْيُ عَلَى أَنَّ كَوْنَ قَضِيَّتِهِ مَا ذَكَرَ قَدْ يُمْنَعُ (قَوْلُهُ: وَتَنَازَعَا إلَخْ) وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ فَرْعٌ: لَوْ تَشَاحَّا فِي عَدَدِ السَّقْيِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ رُوجِعَ عَدْلَانِ انْتَهَى: أَيْ فَلَوْ لَمْ يُوجَدَا فَمَنْ الْمُصَدَّقُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي إجَابَةُ مُدَّعِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلتَّنْمِيَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ مُدَّعِيهَا أَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ) صَوَابُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَقَضِيَّتُهُ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الرَّاجِعِ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِبَ التَّعْلِيلِ، فَكَأَنَّ الشَّارِحَ تَوَهَّمَ رُجُوعَهُ لِلتَّعْلِيلِ لِذِكْرِهِ عَقِبَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مَالِهِ) هَذَا الْجَوَابُ لِلسُّبْكِيِّ وَهُوَ الْمُتَشَكِّلُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشِّهَابُ حَجّ فِي تُحْفَتِهِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ، لَكِنَّ عِبَارَتَهُمَا فِيهِ: وَيَبْقَى ذَلِكَ كَتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ رِضَا الْآخَرِ بِالْإِضْرَارِ رَفَعَ حَقِّ مُطَالَبَتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَبَقِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَصَرُّفُهُ فِيهِ حِينَئِذٍ كَتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، فَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمِلْكِ الْآخَرِ خِلَافُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَبْقَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِتَصَرُّفِهِ فِي خَالِصِ مَالِهِ، وَهُوَ يُفِيدُ مَا بَعْدَهُ أَنَّهُ بِرِضَا الْآخَرِ ارْتَفَعَ الْحَرَجُ عَنْهُ فِي مَالِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُطَالَبَةِ وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُكْمُ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ إذْ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ أَنْ يُجْعَلَ مَالُ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ فِي إتْلَافِهِ كَمَالِ نَفْسِهِ فِي حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَنْعٌ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي رَفَعَهُ التَّرَاضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>