لِلْخَبَرِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ مَعَ قِيَاسِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِمَا فِيهِ (وَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ) أَيْ سَلَمُهُ (وَزْنًا وَعَكْسَهُ) حَيْثُ كَانَ الْكَيْلُ يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ فَيَجُوزُ وَمَا جُرْمُهُ كَجُرْمِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرَ هُنَا مَا مَرَّ فِي الرِّبَوِيِّ بِأَنَّ الْغَالِبَ ثَمَّ التَّعَبُّدُ، وَلِهَذَا كَفَى الْوَزْنُ بِنَحْوِ الْمَاءِ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ، أَمَّا مَا لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ كَفُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ فَيَتَعَيَّنُ وَزْنُهُ لِأَنَّ يَسِيرَهُ مَالِيَّةٌ كَثِيرَةٌ، بِخِلَافِ اللَّآلِئِ الصِّغَارِ لِقِلَّةِ تَفَاوُتِهَا فَهِيَ كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ كَمَا أَجَابَ بِذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ فِيمَا يُعَدُّ الْكَيْلُ ضَابِطًا فِي مِثْلِهِ وَسُكُوتِهِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ جَوَازَ السَّلَمِ فِي اللَّآلِئِ الصِّغَارِ إذَا عَمَّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ هُنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُ الْإِمَامِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَمَا عُلِمَ وَزْنُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالنَّقْدِ يَكْفِي فِيهِ الْعَدُّ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا الِاسْتِيفَاءُ، بَلْ لَا بُدَّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْجَوَازُ بَعْدَ قَطْعِ وَرَقِهِ أَوْ رُءُوسِهِ لِزَوَالِ الِاخْتِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُهُ: وَلِقَائِلٍ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ عَلَى رُءُوسِ الْخَسِّ وَالْفُجْلِ لَا عَلَى بِزْرِهِمَا، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِهِ فِي الْفُجْلِ وَنَحْوِهِ وَزْنًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بِوَرَقِهِ، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْبُقُولِ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَسَائِرِ الْأَزْهَارِ وَزْنًا لِانْضِبَاطِهَا وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا (قَوْلُهُ: كَجَوْزٍ وَمَا جُرْمُهُ إلَخْ) وَفِي الرِّبَا جَعَلُوا مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِيهِ ضَابِطًا مَا كَانَ قَدْرَ التَّمْرِ فَأَقَلَّ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الرِّبَا التَّعَبُّدَ اُحْتِيطَ لَهُ، فَقَدْرُ مَا لَمْ يُعْهَدْ كَيْلُهُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّمْرِ لِكَوْنِهِ كَانَ مَكِيلًا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا مَرَّ بِخِلَافِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ الْمَاءِ) أَيْ حَيْثُ عُلِمَ مِقْدَارُ مَا يُفْرَضُ فِيهِ مِنْ الظُّرُوفِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْوَزْنِ فَيَجُوزُ الْقَبْضُ بِهِ هُنَا، وَمِنْ نَحْوِ الْمَاءِ الْأَدْهَانُ الْمَائِعَةُ كَالزَّيْتِ (قَوْلُهُ: كَفُتَاتِ) بِضَمِّ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ الرَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: فَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُ الْإِمَامِ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ أَنَّ مَحَلَّ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَمَّا مَا لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ كَفُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ إلَخْ) مِنْ هَذَا يُعْلَمُ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي النُّورَةِ الْمُتَفَتِّتَةِ كَيْلًا وَوَزْنًا؛ لِأَنَّهَا بِفَرْضِ أَنَّهَا مَوْزُونَةٌ فَالْمَوْزُونُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا إذَا عُدَّ الْكَيْلُ ضَابِطًا فِيهِ بِأَنْ لَا يَعْظُمَ خَطَرُهُ؛ إذْ لَمْ يُخْرِجُوا مِنْ هَذَا الضَّابِطِ إلَّا مَا عَظُمَ خَطَرُهُ كَفُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ عَلَى مَا فِيهِ، وَظَاهِرٌ عَدَمِ صِحَّةِ قِيَاسِ النُّورَةِ عَلَى مِثْلِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ، عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْعُبَابِ صَرَّحَ بِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا كَيْلًا وَوَزْنًا فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ فِي نَوَاحِينَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا كَيْلًا تَمَسُّكًا بِمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْوَزْنِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَنْفِي الصِّحَّةَ بِالْكَيْلِ بِالْقَيْدِ الْمَارِّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ مَفْرُوضَةٌ فِي النُّورَةِ الْمَجْلُوبَةِ أَحْجَارًا قَبْلَ طَبْخِهَا وَتَفَتُّتِهَا كَمَا أَوْضَحْتُ ذَلِكَ أَتَمَّ إيضَاحٍ فِي مُؤَلَّفٍ وَضَعْتُهُ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ) أَيْ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَقَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ هَذَا هُوَ كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: وَسُكُوتِهِ) أَيْ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْلِهِ وَقَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ أَيْ الرَّافِعِيَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا، بِخِلَافِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ فِيهِ مَالِيَّةٌ كَثِيرَةٌ وَالْكَيْلُ لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ، فَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ سَاكِتًا عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَعْنِي الرَّافِعِيَّ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّآلِئِ الصِّغَارِ إذَا عَمَّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا، فَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ: فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ هَهُنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لَهُ؛ لِأَنَّ فُتَاتَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا إنَّمَا لَمْ يُعَدَّ فِيهِمَا ضَابِطًا؛ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ بِالثِّقَلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَرْكِهِ وَفِي اللُّؤْلُؤِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفَاوُتٌ كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute