وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ الْمَكْنُوزِ فِي الْقَوَاصِرِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَجْوَةِ لِتَعَذُّرِ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ حِينَئِذٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَذْكُرُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ غَيْرَ الْأَخِيرَيْنِ، وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا جَفَافَ فِيهِ (وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ) فِيمَا ذَكَرَ حَتَّى مُدَّةِ الْجَفَافِ بِتَفْصِيلِهَا، وَمَرَّ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْأُرْزِ فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ كَالْبَحْرِ إذْ لَا يُعْرَفُ حِينَئِذٍ لَوْنُهُ وَصِغَرُ حَبِّهِ وَكِبَرُهَا لِاخْتِلَافِ قِشْرِهِ خِفَّةً وَرَزَانَةً، وَإِنَّمَا صَحَّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ وَالسَّلَمُ يَعْتَمِدُ الصِّفَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ نَحْوُ بَيْعِ الْمَعْجُونَاتِ دُونَ السَّلَمِ فِيهَا، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ فِي النُّخَالَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ انْضَبَطَتْ بِالْكَيْلِ وَلَمْ يَكْثُرْ تَفَاوُتُهَا فِيهِ بِالِانْكِبَاسِ وَضِدِّهِ، وَيَصِحُّ فِي الْأَدِقَّةِ فَيَذْكُرُ فِيهَا مَا مَرَّ فِي الْحَبِّ إلَّا مِقْدَارَهُ، وَيَذْكُرُ أَيْضًا كَيْفِيَّةَ طَحْنِهِ هَلْ هُوَ بِرَحَى الدَّوَابِّ أَوْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ وَخُشُونَةَ الطَّحْنِ أَوْ نُعُومَتَهُ، وَيَصِحُّ فِي التِّبْنِ فَيَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ تِبْنٍ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَكِيلَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَفِي الْمِصْبَاحِ عَتَقَتْ الْخَمْرَةُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَرِبَ قَدُمَتْ عِتْقًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا اهـ، وَفِي الْقَامُوسِ عَتَقَ بَعْدَ اسْتِعْلَاجٍ كَضَرَبَ وَكَرُمَ فَهُوَ عَتِيقٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالشَّيْءُ قَدُمَ كَعَتَقَ كَنَصَرَ وَالْخَمْرُ حَسُنَتْ وَقَدُمَتْ اهـ: فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَصْدَرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَسْرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُحَشِّي بِكَسْرِ الْعَيْنِ تَحْرِيفٌ عَنْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَصْدَرُ عَتُقَ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ: الْمَكْنُوزُ فِي الْقَوَاصِرِ) لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَنْزِهِ فِيهَا جَازَ قَبُولُ مَا فِيهَا اهـ حَجّ.
والْقَوَاصِرُ جَمْعُ قَوْصَرَةٍ وَهِيَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ وِعَاءُ التَّمْرِ تُتَّخَذُ مِنْ قَصَبٍ (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِهِ) هَذَا قَدْ يُفْهِمُ صِحَّةَ السَّلَمِ فِي الْعَجْوَةِ الْمَنْسُولَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ) أَيْ لَا يَدُومُ عَلَى صِفَةٍ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ عِتْقِهِ وَحَدَاثَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ) ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَمَعْلُومٌ إلَخْ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ مَا يُوهِمُهُ التَّشْبِيهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كَوْنِ الْجَفَافِ بِأُمِّهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ الَّذِي زَادَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الرُّطَبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْعِنَبِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَمَرَّ) أَيْ فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا) أَفَادَ شَيْخُنَا الشَّارِحُ فِي إفْتَاءٍ لَهُ أَنَّ الْفُولَ الْمَدْشُوشَ مُتَقَوِّمٌ، وَنَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ عَدَمَ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ اهـ كَذَا بِخَطِّ الْأَصْلِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الْمَدْشُوشُ مِنْ غَيْرِ الْفُولِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِهِ بَعْدَ دَشِّهِ نُعُومَةً وَخُشُونَةً، وَقَدْ يُخْرِجُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْحُبُوبِ لِأَنَّهَا بَعْدَ دَشِّهَا لَا تُسَمَّى حَبًّا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَحَّ بَيْعُهُ) أَيْ فِي قِشْرَتِهِ الْعُلْيَا (قَوْلُهُ: فِي النُّخَالَةِ وَالتِّبْنِ) وَمِثْلُهُ قِشْرُ الْبُنِّ اهـ حَجّ.
وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ يُعْتَبَرُ ضَبْطُ ذَلِكَ أَهُوَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَقِيَاسُ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِحُ فِي النُّخَالَةِ مِنْ الْكَيْلِ جَرَيَانُ مِثْلِهِ فِي التِّبْنِ وَالْقِشْرِ، ثُمَّ مَا صَحَّ مَكِيلًا صَحَّ مَوْزُونًا وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَيْلِ كَوْنُهُ بِآلَةٍ يُعْرَفُ مِقْدَارُ مَا تَسَعُ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَيْلِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي التَّحَامُلِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْكَبِسُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ كَيْلِهِ مِنْ تَحَامُلٍ أَوْ عَدَمِهِ رَجَعَ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ فِي صِفَةِ مَا يُكَالُ بِهِ تَحَالَفَا لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ: إنْ انْضَبَطَتْ بِالْكَيْلِ) أَيْ أَوْ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ: إلَّا مِقْدَارَهُ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ فِي التِّبْنِ) وَمِثْلُهُ قِشْرُ الْبُنِّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ الدَّرِيسُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لسم فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا أَوْ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: خِفَّةٌ وَرَزَانَةً) أَيْ الْقِشْرُ وَفِي نُسْخَةِ خِفَّةً وَرَزَانَةً، بِالنَّصْبِ بِغَيْرِ وَعُطِفَ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute