إذْنِهِ لَهُ فِيهِ إنْ كَانَ الْمُقْبَضُ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَلَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ. أَمَّا الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِ بِحَالٍ. وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ لِلرَّهْنِ بَعْدَ قَبْضِهِ كَأَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَيَقْبِضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فَيَنْفَسِخَ الرَّهْنُ تَبَعًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ (مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ) أَيْ الرَّهْنُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ نَحْوِ مَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ وَمُكْرَهٍ وَصَبِيٍّ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِمْ، وَلَا مِنْ وَكِيلِ رَاهِنٍ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ إقْبَاضِ وَكِيلِهِ، وَلَا مِنْ مُرْتَهِنٍ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَطَرَأَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ وَكَالَتُهُ فِي الْقَبْضِ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ ارْتِهَانِهِ، وَكَذَا سَفِيهٌ ارْتَهَنَ وَلِيَّهُ عَلَى دَيْنِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَوَّلَ كَمَا يَأْتِي. وَالثَّانِي إنْ سَلَّمَ مَا ذَكَرَ فِيهِ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ الْقَابِضُ فِي الْحَقِيقَةِ
(وَتَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ (النِّيَابَةُ) كَالْعَقْدِ (لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ) الْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ (رَاهِنًا) مُقْبِضًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَقَطْ أَوْ وَلِيًّا فَرَشَّدَ مُوَلِّيَهُ أَوْ عُزِلَ هُوَ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمَالِكِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقُولَ وَلَا عَكْسَهُ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ قَالَ لِلْمُرْتَهِنِ وَكَّلْتُك فِي قَبْضِهِ لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ صَحَّ وَهُوَ إنَابَةٌ فِي الْمَعْنَى رُدَّ بِأَنَّ إذْنَهُ إقْبَاضٌ مِنْهُ لَا تَوْكِيلٌ (وَلَا) يَسْتَنِيبُ (عَبْدَهُ) أَيْ رَقِيقُ الرَّاهِنِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ سَوَاءٌ الْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ حَيْثُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ مَوْلَاهُ لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ إلَى تَنْزِيلِ الْعَبْدِ مَنْزِلَةَ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ (وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ) فِي التِّجَارَةِ (وَجْهٌ) لِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْمُكَاتَبِ وَيُرَدُّ بِاللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فِي الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ (وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ] لَوْ أَقَبَضَهُ الْمَرْهُونَ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ عَنْ الرَّهْنِ فَوَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ قَالَ مَرَّ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الرَّهْنِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ وَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَجِبُ رَدُّهُ مَتَى طَلَبَهُ الْمَالِكُ، وَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الْمَالِكِ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ إقْبَاضَهُ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْمُقْبِضُ غَيْرَهُ) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقْبِضُ الرَّاهِنَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فِي الْقَبْضِ بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ دَفْعِهِ لَهُ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ حَيْثُ نَوَى أَنَّ الدَّفْعَ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ سم (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِقْبَاضِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْقَاقٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ) أَمَّا لَوْ ارْتَهَنَ لِغَيْرِهِ كَطِفْلِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْوِيتِ عَلَى الطِّفْلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَوَّلَ) هُوَ قَوْلُهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَا سَفِيهٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ) هِيَ قَوْلُهُ لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ رَاهِنًا (قَوْلُهُ رُدَّ بِأَنَّ إلَخْ) أَيْ فَمَا اقْتَضَاهُ تَوَقُّفُ الْأَذْرَعِيِّ فِي عَدَمِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: لِاسْتِقْلَالِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْكِتَابَةِ صَحِيحَةً
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَلَا تَرِدُ الْوَصِيَّةُ إلَخْ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِعَ الشِّهَابَ حَجّ فِي التَّعْلِيلِ، ثُمَّ تَبِعَ شَرْحَ الرَّوْضِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَرِدُ الْوَصِيَّةُ إلَخْ فَلَمْ يَلْتَئِمْ الْكَلَامُ (قَوْلُهُ: أَيْ الرَّهْنُ) فِيهِ إخْرَاجُ الضَّمِيرِ عَنْ ظَاهِرِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ زِيَادَةُ لَفْظِ مِنْهُ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ كَمَا صَنَعَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ
. (قَوْلُهُ: رُدَّ بِأَنَّ إذْنَهُ إقْبَاضٌ إلَخْ) هَذَا لَا يَدْفَعُ الْقِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute