للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَزَالِيِّ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْعُدُولَ إلَى الْمُصَالَحَةِ يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ إبْدَاءِ طَاعِنٍ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: رَدَدْتهَا إلَيْكَ ثُمَّ صَالَحَهُ فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً بِيَدِهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى الْإِنْكَارِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالضَّمَانِ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَلَهُ احْتِمَالَانِ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَيُرَدُّ بِمِثْلِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعُدُولَ إلَى الْمُصَالَحَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ ضَمَانِهِ، وَلِلْمُدَّعِي الْمُحِقِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَذَلَهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى إنْكَارٍ، لَكِنْ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى كَانَ ظَافِرًا فَفِيهِ مَا يَأْتِي فِي الظُّفُرِ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ لَمْ يُفِدْ إقْرَارُهُ صِحَّةَ الصُّلْحِ السَّابِقِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ مِنْ سَبْقِ الْإِقْرَارِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا، عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ، فَإِنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْمِلْكُ مَوْجُودٌ ثَمَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِهِ هُنَا؛ إذْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ مُخْبِرٍ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي جَرَيَانِهِ عَلَى إنْكَارٍ أَوْ إقْرَارٍ صُدِّقَ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَالْغَالِبُ صُدُورُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مُدَّعِيهَا، وَيُغْتَفَرُ جَرَيَانُهُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ فِيمَا لَوْ اصْطَلَحَ الْوَرَثَةُ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدٌ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَفِيمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوَقَفَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ، وَفِيمَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ آخَرَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَخَرَجَ بِبُعْدِهَا مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ، فَعُلِمَ الْفَرْقُ فِي الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيْنَ الشَّاهِدَةِ بِنَفْسِ الْحَقِّ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ صَحِيحًا، وَالشَّاهِدَةُ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ صَحِيحًا م ر.

وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِأَنَّهُ مَلَّكَهُ وَقْتَهُ فَهَلْ تَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ؟ قَالَ الْجُورِيُّ: تُلْحَقُ بِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا لَا فِيهِ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ تُمْنَعُ الْأَوْلَوِيَّةُ بِأَنَّ شَرْطَ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِذَلِكَ بَلْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ بَابِ الظَّفَرِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ الْجُورِيُّ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ إشْكَالُ الْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الطَّعْنِ فِي الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الصُّلْحِ

(قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَيْ الصُّلْحِ فِيمَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً) أَيْ بِغَيْرِ رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ احْتِمَالَانِ) كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَلَهُ احْتِمَالٌ، ثُمَّ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ

(قَوْلُهُ: فَصُولِحَ) أَيْ أَوْقَعَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ عَلَى شَيْءٍ

(قَوْلُهُ: فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إرْثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاجِزًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا مِقْدَارَ مَا لِكُلٍّ إمَّا لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا لِكُلٍّ شَرْعًا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى اسْتِثْنَائِهِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ

(قَوْلُهُ: أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا) أَيْ تَدَاعَيَا دَارًا فِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَالَحَا بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَيْهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَسَاقَطَانِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الْيَدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ عَنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَخَاصَمَا فِي مِيرَاثٍ»

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً بِيَدِهِ) أَيْ وَكَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي رَدِّهَا إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَوَقَفَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُنَّ) الْأَوْلَى بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>