لِمَنْ يَدَّعِي نِكَاحَهَا لِيُثْبِتَهُ أَوْ لِمَنْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا لِيُسَلِّمَهَا لَهُ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَ (مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) وَتَعْذِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لِحَقٍّ لَازِمٍ فَأَشْبَهَ الْمَالَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْخُلُهُ الْمَالُ وَلِذَا مَثَّلَ بِالْمِثَالَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ فَتُقْطَعُ الذَّرَائِعُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى تَوْسِيعِهَا (وَمَنَعَهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) وَتَعَازِيرِهِ كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِسَتْرِهَا وَالسَّعْيِ فِي إسْقَاطِهَا مَا أَمْكَنَ، وَمَعْنَى تَكَفَّلَ الْأَنْصَارِيُّ بِالْغَامِدِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهَا إلَى أَنْ تَلِدَ: أَنَّهُ قَامَ بِمُؤَنِهَا وَمَصَالِحِهَا عَلَى حَدِّ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧] فَلَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا مَعَ وُجُوبِ الِاسْتِيفَاءِ فَوْرًا.
وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا تَحَتَّمَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا الصِّحَّةُ كَحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ (وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمَا لِيَشْهَدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُمَا وَنَسَبَهُمَا عَلَيْهِمَا بِنَحْوِ إتْلَافٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ وَلِيِّهِمَا فَيُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ عَلَيْهِمَا.
أَمَّا السَّفِيهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ إذْنِهِ، وَمُطَالَبَتُهُ دُونَ وَلِيِّهِ لِصِحَّةِ إذْنِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ، وَاسْتَظْهَرَ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارَ إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَهُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ الْقِنُّ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ لَا إذْنُ سَيِّدِهِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، لَكِنْ قَيَّدَهُ سم عَلَى حَجّ بِمَا لَوْ أَذِنَ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَشْمَلُهُ فِي قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ الْقِنُّ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ كَفَالَةُ الزَّوْجِ لِامْرَأَةٍ ادَّعَتْ نِكَاحَهُ لِتُثْبِتَهُ أَوْ تَطْلُبَ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ إنْ كَانَ نِكَاحُهُ ثَابِتًا (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى كَأَجِيرٍ (قَوْلُهُ: يَدْخُلُهُ الْمَالُ) أَيْ حَيْثُ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّهُ
(قَوْلُهُ: فَتُقْطَعُ) أَيْ تُدْفَعُ (قَوْلُهُ: الذَّرَائِعُ) أَيْ الْوَسَائِلُ
(قَوْلُهُ: إلَى تَوْسِيعِهَا) أَيْ إلَى تَوْسِيعِ الطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ لِاسْتِيفَائِهَا
(قَوْلُهُ: وَمَنْعِهَا) أَيْ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْفُولِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ
(قَوْلُهُ: إذَا تَحَتَّمَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ) كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ
(قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ) أَيْ سَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ تَقَطَّعَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَذِنَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّ هَلْ يَبْطُلُ إذْنُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حَيْثُ أَذِنَ.
وَهُوَ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ اعْتَدَّ بِهِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ إلَّا إذَا أَذِنَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ
(قَوْلُهُ: مَا بَقِيَ حَجْرُهُ) شَمِلَ قَوْلُهُ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ غَيْرَ رَشِيدٍ.
وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي السَّفِيهِ أَنَّ الطَّلَبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ الْوَلِيِّ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَا سَبَقَ إذْنُ الْوَلِيِّ اُسْتُصْحِبَ.
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ سَفِيهًا وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا بَلَغَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَيَتَوَجَّهُ الطَّلَبُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا إذْنٌ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا
(قَوْلُهُ: أَمَّا السَّفِيهُ) قَسِيمُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ وَاسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ أَوْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا ثُمَّ فَسَقَ وَبَذَّرَ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا
(قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إذْنِ وَلِيِّهِ) أَيْ السَّفِيهِ
(قَوْلُهُ: دُونَهُ) وَحَيْثُ قُلْنَا إنَّ السَّفِيهَ لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى كَفَالَتِهِ فَوَاتُ مَالٍ أَوْ اكْتِسَابٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: قَالَ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ السَّفِيهِ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: بِمَنْ لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَبِبَدَنِ آبِقٍ وَأَجِيرٍ فَجَعَلَهُمَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى الضَّابِطِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا) أَيْ مِنْ مَنْعِ الْكَفَالَةِ فِي حُدُودِهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: مَعَ وُجُوبِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ إشْكَالٍ ثَانٍ يَرِدُ عَلَى قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ فِيهِ الْفَوْرُ فَلِمَ أَخَّرَ حَدَّهَا؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِصَّةَ الْغَامِدِيَّةِ مُشْكِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْقِنُّ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ فَإِسْنَادُهُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ ضِدَّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ إلْحَاقَ الْقِنِّ بِالسَّفِيهِ بَحْثٌ لِغَيْرِ